عقيدة "تألُّه الإنسان بالنعمة" عند آباء ما قبل نيقية (1)
سِر الثيوسيس
عند القديسين إغناطيوس و إيرناؤس
سر الثيوسيس ، أو عقيدة تألُّه الإنسان بالنعمة ، الشركة فى الطبيعة الإلهية ، الإتحاد بالله و التشبُّه به ، الخلود و عدم الفساد... كلها مسميات لمعنى واحد...و بعيداً عن المعانى السلبية السيئة التى ـ عادةً ـ ما تجول فى العقلية القبطية المُعاصرة عن هذه التعبيرات ، فقد تتبعنا تعليم آباء الكنيسة الجامعة ماقبل مجمع نيقية عن هذا السر الفائق العقل، للبرهنة على أرثوذكسية هذه العقيدة من أقوال آباء الكنيسة أولاً ، و لإزالة هذه المعانى السيئة نظراً لما تتميز به كتابات ماقبل نيقية بالبساطة و العمق و عدم التعقيد ثانياً ، و التشبُّع بهذا السر العظيم ثالثاً.
مثل هذه المعانى التى أوردها قداسة البابا المُعظَّم الأنبا شنودة الثالث ، بابا الإسكندرية ، فى كتابه " بدع حديثة ، عندما وصف هذا السر بالكلمات التالية [ تأليه الإنسان معناه أن يتصف بالصفات الإلهية .. لذلك محال أن أحد الآباء نادى بهذا التأله ][1] ، و نحن نتفق تماماً مع سيدنا أن الآباء لم ينادوا بأن الإنسان يصير غير محدود ، مالىء السموات و الأرض ، و أن يكون فاحصاً للقلوب و الكلى .. إلى آخر هذه المعانى التى تتعب الإذن من مجرد سماعها ، بل على العكس تماماً ـ و على النحو الذى سيتضح من نصوص الآباء ـ أن التأله هذا هو نعمة من الله تقود الإنسان إلى التواضع و التشبُّه بالإله المتجسد نفسه ، الذى لم يستنكف أن يخلى نفسه من أجل خلاصنا !!!
و لذلك ، نحن هنا لا نرد على أحد أو نهاجم أحد أو نتحيَّز لأحد ، بل كما قال العظيم غريغوريوس النيصى : [ الحق يجتاز فى الوسط ، ليبيد كل هرطقة و لكن ليقبل ما هو نافع فيها].!!!
نظرة عن التأّّله و النعمة و الخلاص عند آباء الكنيسة :
بدايةً .. يجب أن نضع فى إعتبارنا أن هناك تيّاران في لاهوت النعمة عند الآباء ، فالآباء الشرقيّون يرون النعمة في تأليه الإنسان، بينما يرى الآباء الغربيّون النعمة في التحرّر من الخطيئة، فالتيّار الأوّل يستند إلى كتابات يوحنا الإنجيلي، ويشدّد على تجسّد الكلمة الذي بواسطته يصبح الإنسان ابن الله، بينما يرتكز التيّار الثاني على رسائل بولس الرسول، ويرى في النعمة مساعدة يعطيها الله للإنسان ليحيا حياة قداسة على مثال المسيح. فالتيار الأول يركّز على كيان الإنسان، بينما يركّز التيّار الثاني على عمله. فالنعمة عند آباء الكنيسة الشرقيّة تهدف إلى رفع كيان الإنسان ليصير على صورة الله. أمّا عند آباء الكنيسة الغربيّة فتهدف إلى تحرير الإنسان من الخطيئة.
يرى آباء الكنيسة في تألّه الإنسان النعمة الكبرى التي يمنحها الله "للإنسان. فبينما كان الفلاسفة اليونان ينشرون نظريّة أفلاطون في التشبّه بالله، والأديان اليونانية تسعى إلى الوصول إلى خلود الآلهة بواسطة طقوس سحريّة أو طرق تقشّف بشريّة، راح اللاهوتيّون المسيحيّون يعلنون أن الاشتراك في الطبيعة الإلهية والتشبه بخلود الله والتأله لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها بجهوده الخاصّة، بل هي نعمة من الله. فالله نفسه نزل إلى البشر وتجسّد ليرفع الإنسان إليه ويشركه في حياته الإلهية. وقد صار أمراً تقليديًّا في اللاهوت الشرقيّ تقسيم تاريخ الخلاص إلى ثلاث مراحل:
+ خلق الله للإنسان على صورته ومثاله
+ سقوط الإنسان بالخطيئة الأصليّة
+ إعادة الصورة القديمة بالتجسّد والفداء
ويقوم التألّه، أو اشتراك الإنسان في الطبيعة الإلهية الذي ورد ذكره فى رسالة بطرس الثانية "لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ" (1: 4)، على الخلود وعدم الفساد والحياة الأبديّة بعد الموت. فالإنسان مائت من طبيعته، أمّا الله فمن طبيعته لا يموت. ومن ثمّ فالاشتراك في طبيعة الله يعني أولاً عدم الموت.
وعندما يفسّر آباء الكنيسة قول الكتاب المقدّس إنّ الله خلق الإنسان "على صورته ومثاله" يميّز بعضهم بين الصورة والمثال. فالصورة هي في طبيعة الإنسان، إمّا في جسده، ونفسه حسب إيريناوس، إمّا في نفسه فقط حسب أكّليمندوس الإسكندريّ وأوريجانوس. وهذه الصورة لا تُفقد بالخطيئة. أمّا المثال فقد فقده الإنسان بالخطيئة، وأعاده إلينا الكلمة المتجسّد. فمن يقبل خلاص المسيح وفداءه يشترك في الطبيعة الإلهية، أي في عدم الفساد وفي الحياة الأبديّة.
أمّا أثناسيوس وغريغوريوس النيصيّ فيريان في "الصورة" ختماً إلهيًّا يضعه الله في روح الإنسان وعقله. وهذا الختم يصبح قاتماً بالخطيئة، ويعيده الفداء إلى بهائه الأوّل. أمّا "المثال" فهو الاقتداء والتشبّه بالله. فالإنسان يصير تدريجياً على مثال الله يتألّه باشتراكه في حياة المسيح الإله، وذلك بواسطة الإيمان وسري المعموديّة والافخاريستيا.
فالثيوسيس هو عمل الله المثلث الأقانيم القوى و المُقدس فى حياة الإنسان
لقد دُعي الإنسان حقاً ليعيش في الله، ليشاركه في مجده، ليتحد به ليصير بالنعمة ما هو عليه الله بالطبيعة. إنها وحدة مع الله بواسطة القوى الإلهية بلا اختلاط أو ذوبان. إتخذ الرب يسوع المسيح طبيعتنا ليشركنا بالحياة الإلهية ويجعلنا "شركاء في الطبيعة الإلهية" (2بطرس 1: 4)، أي في القوى الإلهية وليس في الجوهر الإلهي.
ليس "التأله" هبة مجانية للروح القدس وحسب بل يتطلب أيضاً مشاركة الإنسان. إذا هو بالضرورة صيرورة ديناميكية تتضمن درجات من الشركة مع الله و حياة تقوم على الخبرة الشخصية و هذه الصيرورة أن تبدأ منذ الآن بمحبة لله وحفظ وصاياه و بحياته في الكنيسة وبمشاركته في أسرارها ... و هو يعنى يعني صيرورة الإنسان ابن الله بالتبني، بنعمة الروح القدس، ابن بالنعمة بينما يسوع هو ابن الله بالجوهر، بالطبيعة
و نحن عندما ندرس هذا السر العظيم "الثيوسيس" عند آباء ما قبل نيقية ، فنحن ندرس الصورة الإنجيلية البسيطة الأولى التى قدمها آباء الكنيسة عن هذه العقيدة ، بدون الدخول فى التعقيدات العقائدية و اللاهوتية ، التى أثرت شرح هذا المصطلح جداً عند آباء ما بعد نيقية من أمثال أثناسيوس و غريغوريوس الثيولوغوس ، و أيضاً لنكشف هذا الثراء الكنسى فى شرح هذه العقيدة ، و التنوع الذى يقدمه هؤلاء الآباء من حيث مواقعهم فى الكنيسة ( أساقفة و رعاة / معلمون و مدافعون) أو منطلقاتهم و خلفياتهم الفكرية إذا كانت تقليدية أو فلسفية ، أو حتى اختلافهم من حيث ظرف المكان و الجغرافيا.
القديس إغناطيوس الأنطاكى( 107 م)
الإتحاد بالله ، نجده أول ما نجده عند هذا الأب القديس الذى قدم جسده ليُطحن بأسنان الوحوش ليكون خبراً طاهراً لله ،فهو يمثل البساطة و التقوى المسيحية و وحدة الأسقفية و الكنيسة و الشعب و الإستعداد للشهادة ، و هو من الآباء الرسوليين ، فهو تلميذ يوحنا اللاهوتى ، و يقول عن أبنائه فى الإيمان و هو فى طريقه إلى الاستشهاد:
[ إنى أصلى حتى يكون بينهم إتحاد قائم على أساس جسد و روح يسوع المسيح ، الذى هو حياتنا الأبدية ، إتحاد بالإيمان و الحب لا يفوقه و لا يعترضه أى شىء آخر ، إتحاد خاص بيسوع و الآب ]
الرسالة إلى ماغنيسيا.
كان هذا العظيم منشغلاً دائماً بالحضور السرى للمخلص وسط شعبه ، إما فى سر الإفخارستسا أو فى حياة المؤمنين اليومية ..
[ فلنمارس كل أعملنا بفكر أن الله يحيا فينا حينئذ سنكون هياكله و هو سيكون إلهنا الساكن فينا ]
الرسالة إلى أفسس 15
فالقديس إغناطيوس الأنطاكى قدم الخلاص على أنه مشاركة فى الحياة الإلهية و النور و الحب الإلهيين ، ، و لقد كتب عده تعبيرات تعبر عن هذا المعنى ، فهو لا يتردد أن يُقلب المسيحيين بحاملى الروح : بنفمافورى ، ثيوفورى : حاملى الله ، و خريستوفورى : حاملى المسيح ، و هاجيوفورى :حاملى القداسة ، بل كان يُلقِّب نفسه " بالثيوفوروس : حامل الإله" ، و هذا التعبير لا يدل على الإفتخار أكثر ما هو يدل احساسه الدائم باتحاد الله به و وجوده دائماً فى حياته ، و تلك المحبة و الوحدة السرية بين الله و الإنسان ، كانت القاعدة التى انطلق منها فى تعليمه عن وحدة الكنيسة و الأسقف و الشعب ، صحيح أن القديس إغناطيوس لم يذكر كلمة "ثيوسيس" لكن مضمونها واضحاً جداً فى لغته الرمزية
القديس إيرينيؤس أسقف ليون (140 ـ 202 م )
هنا يظهر الأسلوب " المنهجى " فى عرض هذه العقيدة الراسخة فى الفكر المسيحى منذ أيام آبائنا الرسل ، فإيريناؤس ـ الذى يمثل أصالة التعليم التقليدى الرسولى و النظرة الخلاصية لهذا التعليم ـ أول كاتب يعطينا ترابطاً مدعماً للثيوسيس ، لأن فى أيام إيريناؤس استجد ظرف تاريخى جعله يعرض هذا السر بأسلوب منهجى منظم كغاية التدبير الإلهى و المطاف الأخير الذى تنتهى إليه عملية الخلاص.
+ المُنطلق التقليدى عند القديس إيريناؤس :
و فى مواجهة هذه الضلالات ، رفع المدافعون عن الإيمان صوتهم مدافعين عن علم اللاهوت المسيحى التقليدى الذى يُعلم بأن الخلاص ممكن اقتناؤه للكل و ليس للصفوة المختارين ، كما أنهم علموا بأن عدم الفساد الذى سيستعلن فى الزمان الأخير فى كل الجنس البشرى مغروس ، ليس فى طبيعة الإنسان بل هو من نعمة الله و الإنسان يشترك بالنعمة فى الخلود الإلهى ، إذ أن الله خالد بطبيعته أما الإنسان فخالد بالنعمة ، و كان من بين هؤلاء المدافعين عن العقيدة الرسولية التقليدية القديس ايريناؤس .
هنا وقف إيريناؤس أمام الغنوسية و أعلن بوضوح "علانية" التعليم المسيحى الرسولى فى الكنيسة المقدسة من جهة ، و "مضمون" التعليم الكنسى من جهة أخرى و صورته العملية المرتبطة بخلاص النفس ، أو تدبير الخلاص فى المسيح ، فى عقيدة " تجميع كل شىء فى المسيح كرأس جديد للبشرية " و ذلك أن أفعال المسيح الخلاصية التى أتاها من أجل خلاصنا إنما نبلغ إليها من خلال هذه الحقيقة الإلهية ... " الإنجماع فى المسيح" !
+ الإنجماع الكلى فى المسيح :
محور التعليم عند القديس إيرينيؤس هو " الإنجماع الكلى فى المسيح "
Anakephalaiwsis
و قد استلهم هذا التعلميم من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس حيث يوضح أن غاية الله النهائية من الخليقة كلها التى سيحققها فى ملىء اللأزمنة هى " أن يجمع كل شىء فى المسيح" ( أف 1 :7 ) ،فيقول القديس إيرينيؤس :
[ فى ملىء الزمان صار الكلمة إنساناً منظوراً و ملموساً لكى يجمع كل شىء فى نفسه و يحتوى كل شىء و يبيد الموت و يُظهر الحياة و يعيد الوحدة بين الله و الإنسان ][2]
و يقصد القديس إيرينيؤس من " الإنجماع الكلى" هو إنجماع الكل فى المسيح الذى يحقق فى نفسه ملىء الوجود الكلى للخالق و الخليقة معاً :
[ فإن المسيح كما قلنا قد وحَّد الإنسان مع الله .. فقد كان لائقاً أن الوسيط بين الله و الناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما يعيد الألفة و التوافق بينهما و يُقدم الإنسان إلى الله ، و يُظهر الله للإنسان .. فإنه من اجل ذلك قد جاء مجتازاً فى جميع الأعمار لكى يعيد للجميع الشركة مع الله ][3]
تحدث القديس إيرينيؤس عن الوسيط الذى هو المسيح فعن طريق ارتباطه بالله يستطيع أن يمثل الإنسان وعن طريق إرتباطه بالإنسان يستطيع أن يمثل الله ، و بهذا يستطيع أيضاً أن يجرى عمل المصالحة ، و أن يرجع السلام و الصداقة بين الإثنين فهو الذى يستطيع أن يقود الإنسان إلى الله ثم يعرف الإنسان بالله .
و هنا نرى المسيح المتجسد يقوم بعملية الفداء و المصالحة ، فالإله المتجسد هو الذى يجذب البشرية إلى الآب لكى تعرفه ، و فى نفس الوقت فإبن الله الذى هو فى حضن الآب هو الذى يُعلن الله للبشرية :
[ فيه نزل الله إلى الإنسان و هو أيضاً رفع الإنسان إلى الله ]
ضد الهرطقات 3 : 2 ، 6
لقد ظهر الكلمة على الأرض كإنسان ، و بهذا أعلن المسيح عن الله لنا فى كل مراحل الحياة الإنسانية حتى يقدس كل شىء خاص بالإنسان .
[ الابن نفسه المولود من مريم ، التى ظلت عذراء ، احتوى فى ميلاده آدم فى نفسه ]
برهان الكرازة 3 : 21 : 10
[ حينما صار الكلمة إنساناً بجعله نفسه يشابه الإنسان ، فقد جعل الإنسان يُشابهه ، و بصيرورة الإنسان على شبه الابن ، صار عزيزاً فى عينى الآب ]
برهان الكرازة الرسولية 5 : 16 : 2،3
فالإنجيل يدعونا ليس فقط ان نتمثل بالله بإرادتنا ، بل و أيضاً الإيمان بان إتباع الله على قدر طاقة الإنسان سيؤدى به أن ينال الشبه بالله كنعمة ، هذا يعنى أن التمثل بالمسيح سوف يؤدى فى النهاية إلى نوال عدم الفساد و الخلاص ، و هو فى هذا يشابه تعليم اكليمندس الإسكندرى.
يقول القديس إيريناؤس عن كلمات المزمور الثانى و الثمانين _ فى الترقيم العبرى :
[ عن الآب و الابن ، و عن الذين نالوا التبنى ،و هؤلاء هم الكنيسة لأن الكنيسة هى مجمع الله ، التى جمعها الله أى الله الابن نفسه ، و عن ذلك أيضاً يقول : "إِلهُ الآلِهَةِ الرَّبُّ تَكَلَّمَ، وَدَعَا الأَرْضَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا"( مز 50 : 1 )، و من هو الغله الذى أشار إليه؟ هو ذلك الذى قيل عنه " ياتى الله علانية ، إلهنا لن يصمت"( مز 50 :3 )، و قد جاء ابن الله و أعلن ذاته للبشر ]
+ الثيوسيس فى خطة خلاصنا :
ففى مقدمة الكتاب الخامس من ضد الهرطقات نجده يقول
[ أن الكلمة صار إلى ما نحن عليه ، لكى نصير نحن إلى ما هو عليه ]
[ كلمة الله ، ابن الله ، يسوع المسيح ربنا ، الذى ظهر للأنبياء فى الشكل الذى ذكر فى الأقوال ( الأناجيل ) ، و بحسب تدبير الآب الذى فى ملىء الزمان و لكى يجمع من جديد فى نفسه كل شىء صار إنساناً وسط الناس ، مرئياً و ملموساً ، لكى يبيد الموت و يُظهر الحياة و يصنع شركة بين الله و الإنسان ]
برهان الكرازة 6
إذا كان ايريناؤس يقدم الخلاص باعتباره هو مغفرة الخطايا و العتق من الموت و الفساد ، فعمل الله الخلاصى لا يتوقف عند هذا الحد ، لأن غاية التجسد هى الشركة فى الطبيعة الإلهية أو الثيوسيس ، التأليه
[ لقد صار ابن الله إنساناً ، لكى يصير الإنسان ابن الله ]
برهان الكرازة الرسولية 3 : 10 :2
[ إن الله فى محبته غير المحدودة صار على ما نحن عليه ، لكى يجعلنا نحن على ما هو عليه ]
برهان الكرازة الرسولية 1: 23 : 5
[ مجد الله أن يحيا الإنسان ، و حياة الإنسان أن يرى الله ]
برهان الكرازة الرسولية 4 : 20 :7
[ إتباع المخلص هو اشتراك فى الخلاص ، و إتباع النور هو اشتراك فى النور ]
برهان الكرازة الرسولية 4 : 14 : 1
[ المسيح وحَّد الإنسان بالله ، لأنه كان لابد أن يكون الوسيط بين الله و الناس حاملاص طبيعة كل من الإثنين ، حتى يعيد الألفة و الوفاق بينهما ، لكى يقدم الإنسان إلى الله و يُعلن الله للإنسان ، إذ كيف يمكن أن نشترك فى التبنى أى نصير أبناء ، إن لم يكن الابن قد أعطاما شركة مع الآب ، و إن لم يكن قد إتحد نفسه بنا إذ صار جسداً؟ ، فهو لهذا السبب قد أتى فى كل الأجيال ليعيد الكل إلى الشركة مع الله ]
برهان الكرازة الرسولية 3 : 18 : 7
و القديس ايريناؤس يكرر مراراً أن التعاليم الكاذبة التى يدعو إليها الهراطقة عن سر التجسد و عن تجميع الكل فى المسيح إنما هى فى حقيقتها تحمل إنكاراً لرفعتنا إلى الحياة الإلهية :
[ إنهم يسلبون الإنسان صعوده إلى الله ]
برهان الكرازة الرسولية 3 :19 : 1
[ لقد شاء الله أن يولد ليكون معنا ، أن ينزل إلى ماوضع الأرض السفلية ، لكى يجد الخروف الضال الذى هو خليقته الخاصة ، لقد شاء أن يصعد إلى السماء ـ لكى يقدم لأبيه هذا الإنسان الذى وجده و ليقدم فى نفسه بامورة قيامة المسيح .. هو بإعتباره الرأس قد قام من بين الأماوت و هكذا بقية الجسد ـ أى كل إنسان ـ سوف يقوم ثانية حينما تستوفى عقوبة العصيان ، هذا الجسد سوف يتحد ثانية بمفاصل و رُبُط ، سوف يتشدد بنمو إلهى و كل عضو سيحتل مكانه المُعيَّن فى الجسد " فى بيت أبى منازل كثيرة " ذلك لان فى الجسد أعضاء كثيرة ]
برهان الكرازة الرسولية 3 :19 :1،3
[ كان يستحيل علينا أن نعرف أمور الله لولا أن المُعلم و السيد الذى هو كلمة الله ، صار إنساناً ، إذ أن أى كائن مهما كان ، لا يقدر أن يُعلن لنا امور الله إلا كلمته الخصوصى ، لأنه أى شخص يقدر أن يعرف فكر الله ؟ أو من صار له مشيراً" ( رو 11 : 34) ]
+ بالإفخارستيا يحصل الإنسان على هذه النـعمة ..و هى تُعطى للخلود:
[ إن كانت الكأس الممزوجة و الخبزة المصنوعة بعد أن يتقبلا كلمة الله يصيران إفخارستيا ، أعنى دم و جسد المسيح ، و بها يتقوى و يتشدد قوام جسدنا ، فكيف يمكن للخارجين عن أصول الإيمان أن يدعوا أن جسدنا غير مؤهل لنعمة الخلود ، فى الحياة الأبدية مع الله ، فى حين أنه يقتات من دم و جسد المسيح ، بل و صار عضواً من أعضائه ، كما قال المغبوط فى رسالته إلى أهل أفسس "لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" ( أف 5 : 30) ][5]
[ و كما أن عود الكرمة بعد أن يخبأ فى الأرض فترة ما يأتى بالثمار فى حينها ، و كمان أن حبة الحنطة بعد أن تقع فى الأرض و تفقد شكلها الخارجى ، تأتى ثانية إلى الحياة ، و معها حبات كثيرة بواسطة روح الله الذى هو قوام الحياة للخليقة كلها ، ثم بعد ذلك بفضل مهارة الإنسان تُعد لتكون خبزاً نافعاً للبشر ، كذلك بالمثل أجسادنا التى تقتات بالإفخارستيا ، فبعد أن تُخفى فى الأرض و تتحلل ستقوم ثانية فى الوقت المعين عندما ينعم عليها كلمة الله بالقيامة " لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" فى 2 :11 لأنه سيمنح المائت عدم الموت و الفاسد عدم الفساد ، لأن قوة الله ستظهر فى الضعف ]
+ الثيوسيس هو حياة القداسة بالروح القدس .. و نعمة لا تدعو إلى الإنتفاخ :
فهو يشدّد على الولادة الجديدة أكثر ممّا على مغفرة الخطايا. فبالمعموديّة ينال المؤمن الروح القدس الذي يسكن فيه ويتّحد به.وهذا الروح يجعل من المؤمن ابن الله، شبيهاً بالابن، إنساناً روحياً، بانتظار ملء النعم في رؤية الله في المجد الأبدي، فالاتّحاد بالروح القدس لا يمكن فصله عن الاتّحاد بالابن والآب. فالنعمة إذاً هي قبل كل شيء موهبة غير مخلوقة: إنها حضور الثالوث في المؤمن لتقديسه ومساعدته على أن يكون
إنساناً روحيّاً.
[ هكذا كان لا يمكن أن نتعلم بأى وسيلة أخرى سوى أن نرى المُعلم و نسمع صوته الإلهى بآذاننا ، حتى إذا استطعنا أن تقتدى بأعماله و ننفذ و صاياه ، تصبح لنا شركة معه ، ثم نزداد نمواً فى هذه الشركة من الله الكلى الكمال ..
ثم بواسطة الفداء الذى أكمله لنا بدمه ، مُسلِّماُ ذاته فدية عوض الذين وقعوا فى الأسر بواسطة العدو ، فاستردهم لخاصته .. معطياً نفسه لنفوسنا و جسده لأجسادنا ، و ساكباً روح الله الآب علينا لتكميل الإتحاد و الشركة بين الله و الإنسان ، واهباً اللاهوت بالحقيقة للبشرية بواسطة هذا الروح ، و من ناحية أخرى يُجرى بنفسه للبشرية ارتباطاً و التحاماً مه الله بواسطة تجسده ، واهباً لنا ، بذلك ، الخلود المزمع أن يمنحه لنا بالحق و إلى الأبد عند مجيئه ، بتكميل شركة اتحادنا مع الآب ]
ضد الهرطقات 5 : 1
[و لكن مع هذا علينا أن نحذر من أن نظن أننا نمتلك الحياة من ذواتنا و ننتفخ و نرتفع ضد الله بتقبلنا أفكار الجحود هذه ، بل إذ نعرف بالخبرة أننا بالقدرة الإلهية و ليس من طبيعتنا الذاتية نحن نحوز القدرة على البقاء للأبد ، ، لا ننحرف عن الإعتقاد الحقيقى عن الله ، و لا نجهل حقيقة طبيعتنا ، بل نعرف تماماً ما هى قدرة الله و ما هى النعمة التى يتقبلها منه الإنسان منه ، و لا نضل فى إدراكنا المفهوم الحقيقى لطبيعة الكائنات ، أعنى الله و الإنسان ، و مع ذلك كما قلنا سابقاً ، لإن كان الله قد سمح بأن تتحلل أجسادنا فى الأرض ، أفليس ذلك لكى نتعلم تماماً و من سائر الوجوه ، أن نكون من الآن فصاعداً يقظين فى كل شىء بتدقيق شديد غير جاهلين بالله و لا أنفسنا ؟][6]
يـُتبَع