Monday 18 January 2021

تأملات فى السرد الأيقونى للإبيفانيا


تأملات فى السرد الأيقونى للإبيفانيا

 


غرض وجود الأيقونة، واستعلان الكنيسة عنها، واعلانها لها، هى أن تكون "مرآة" للبعد اللامنظور من النص، ليس فقط للبعد الجمالى على أهميته، ولكن لذلك "المخفى"، "المخبوء"، أى "السرى" للنص.

 إنها ليست كتلك المرايا المسطحة، التى تحكى لنا الرواية فى جمالياتها فقط ... ولكن نوع آخر من المرايا، ربما نوع ليس من هذا العالم ...

ربما نوع يحكى روايتنا نحن لا رواية النص فقط ...

ربما نوع من المرايا نرى فيه ذوتاً تُكتَب، وتُعتَلَن، وتتجسد ...

النص والأيقونة نوعا من المرايا المتوازية، عند تلاقيهما، تُنتَج أبعاداً لا حصر لها ...

...

فى أيقونة التجسد، كل شىء ظاهر، العالم السمائى يُجسَّد بوضوح فى شخوص الملائكة كبيرة الحجم على أطرافها، الرحم/الأرض/العنصر الأنثوى الإنسانى فى الوسط محتضنًا الإله المتجسد، كل شىء واضح بلا لبس، ثمة حدثاً صريحاً يكتب ههنا ... اللوغوس قد وُلِدَ فى هذا العالم، اخترقه فى عمقه، شعاع النور الذى يَقسِم أعلى الأيقونة من المنتصف كان هو هذا الاختراق، والعالم هو باقى الأيقونة، والمسيح مركزها ...

...

أما فى أيقونة الإبيفانيا، فثمة حوار عصىِّ على الكتابة ههنا ...

الروح القدس يُرسم بوضوح على هيئة حمامة كما فى الكتب، المعمدان للعالم الإنسانى، الملائكة للعالم السمائى، الأردن للخليقة، ولكن صوت الآب لا يُكتب! فكيف يمكن أن يُكتب الصوت؟!!!

يقف النص كمرآة مقابل الأيقونة كمرآة، فنكتشف أن هناك حدثاً غائباً، صوت الآب غير المكتوب هو البعد المخفى فى الوجود، البعد غير المُدرك ولا المفحوص ولا المُحوَى.

 نطق الآب فى النص "هذا هو ابنى الحبيب ..." لكنه لا ينطق فى الأيقونة! سمعه التلاميذ حينئذ لكننا لا نسمعه ولا نراه الآن! إنه محتجب تماماً هنا أمامنا فى الكنيسة، لا نراه ولا نسمعه ولا حتى تُكتب كلماته على الأيقونة، إنه غائب بالكلية، كالعدم والظلام كما كتب الآباء المستيكيين، ولكنه عدم ليس كعدمنا، ولا كظلمتنا ...

فى الأيقونة، نطلبه ولا نجده، لكننا نعثر عليه فى النص، الصوت غير المكتوب (غير المرسوم) مسموع بوضوح فى أذهان كل من ينظر، إنه لا يظهر فى الأيقونة، لكنه يصير مدركاً فقط بواسطة الذين تلقوا تعاليم الكنيسة ...

...

فى أيقونة الإبيفانيا، لا يستعلن الثالوث فقط، ولكنه أيضاً لا يُستعلن! الروح والابن متجليان بوضوح، ولكن الآب غائب، اللاهوت السلبى مكتوب بحروف من نور عن طريق صوت الآب الصامت، وكأنه السر الذى لا نعرفه، الذى يلف وجودنا، وبالرغم من وضوح كل شىء، حتى تجسد الإله نفسه، يظل هناك ثمة ما لا ندركه ... ولا يمكننا ...

أما عن المسيح الذى يقطع ناسوته طول الأيقونة بكثافته، وخفته، فى آن، فهو الأنسنة فى حد ذاتها، وفى جملة بسيطة تضعها الأيقونة كقانون إيمان، أنه لا إعلان عن الثالوث إلا فى الإنسان، إلا بتجلى الإنسان!