Tuesday 21 December 2021

تصريح/ كهنوت المرأة أرثوذكسيًا

تصريح

كهنوت المرأة أرثوذكسيًا

 

لا تستمد الكنيسة الأرثوذكسية طقوسها وترتيباتها من الناس، ولا تُقررها بُناءً على الاستحسانات أو الانطباعات الشخصية، أو تماشيًا مع إية رؤى أو أجندات أو أنماط تفكير تحاول فرض ذاتها عليها قسرًا ، لأن حياة الكنيسة هي من الله، وإن كانت تسعى لاستعطاف الناس، لا تكون جسد المسيح بعد. لذلك لا يجب على الكنيسة الاستجابة لأي ضغط أو الحاح لبعض المجموعات التي ليس لها فكر الأرثوذكسية النقي، فالكنيسة لا توجد بالكيفية التي يهواها التنويريون أو النسويات، الكنيسة لها حياة وتاريخ هما التقليد المقدس، ومواقفها جميعها يجب أن تنبع من تقليدها كونه عصارة حياتها وخبرتها. لذلك قال قداسة البابا تواضروس عن رسامة المرأة: "هذا مرفوض في الكنيسة القبطية تمامًا، هذا الأمر لا يُناقَش، ولا يُقرَّر، ولا هو مقبول، ولا هو في التفكير ... كهنوت المرأة برا الموضوع خالص". لأنه لدينا شهادة واضحة من القديس إبيفانيوس أسقف سالاميس (القرن الرابع الميلادي) ضد الهراطقة الذين ينادون برسامة المرأة للكهنوت السرائري، إذ يقول : "من الأزمنة الأولى لا نجد إمرأة خدمت خدمة كهنوتية، بالرغم من أننا نرى في العهد الجديد نساء نبيات أو من الأنبياء"

تلك الدعاوى اللاكنسية، لا تقل سُميِّة عن الادعاء الذكوري الجاهلي بأن المنع في ترسيم المرأة له علاقة بطبيعة تكوينها سواء فسيولوجيًا أو بيولوجيًا، بمعنى أن المرأة لا تستطيع القيام بواجبات الكهنوت أو أنها دنسة مثلًا في فترات الحيض أو الإنجاب، على العكس، تُعلم الأرثوذكسية بأن الله لم يخلق شيئا نجسًا، وهي تجلي مُقدس للخليقة "الحسنة جدًا"، ولا هي ناقصة في أصل طبيعتها، بل أن ترتيب الكهنوت السرائري الخاص هو للرجال كونه امتداد للوجود التاريخي ليسوع المسيح الذي كان رجلًا، و"رئيس الكهنة الأعظم"، فالكاهن هو الممثل للمسيح في رسالته الخلاصية.

 جذور الكهنوت السرائري نراه في كهنوت المسيح وليس في طبيعة الكنيسة كجسد المسيح. أي أن مصدر الكهنوت السرائري هو المسيح ذاته الذي هو رأس الجسد الكنيسة، أما الكهنوت العام فهو لكل أعضاء الكنيسة رجالًا ونساءً كونهم جسد المسيح، لأنه من الناحية الكهنوتية فالسيد المسيح ليس فقط رأس كل رجل بل هو رأس الكنيسة كلها، والكنيسة تمثل أعضاء جسده المبارك، فهو رئيس الكهنة العظيم، الكهنوت السرائري مُستمد من المسيح رأسًا، وهو يُمثله ويُعبر عنه، بخلاف الكهنوت العام الذي هو لكل الجسد، إذن الكهنوت السرائري لم يُؤسس على الكهنوت العام بل على كهنوت المسيح. ترى الأرثوذوكسية الكهنوت على أساس أن مركزه المسيح وليس  جسد الكنيسة المكون من أعضائها الرجال والنساء، فالكهنوت يكون في الكنيسة لأجل الكنيسة لكن لا يعتمد عليها ، بل فقط على المسيح ذاته.

 فبينما ينتمي الكهنة إلى الكنيسة كأشخاص مؤمنين، إلا أنهم يتمايزون عن بقية الجسد بخدمة مصدرها المسيح رأسًا، تمامًا مثل الرسل الذين أُختيروا من بين التلاميذ لكن رتبتهم الرسولية ليس لها مصدرها من تلاميذ آخرين بل من المسيح ذاته. لذلك، فالأرثوذكسية ليست مخيرة لإختيار المرأة لممارسة سِرِّ الكهنوت كالإنجيلية أو الأنجليكانية، التي من الممكن أن تناقش ترسيمها قساً «كوظيفة»، فوظيفة القس الإنجيلي لا تحمل "رتبة" أو رسامة كهنوتية.

أما المرأة فمثلها هو القديسة العذراء مريم أم المسيح، التي لم تكن كاهنة، ولا أيًا من قديسات الكنيسة الأولى، اللائي صِرن مثالًا للكمال المسيحي حينما بحثن كنساء عن الكهنوت المدعوات له، أي الكهنوت المُميِّز لهن، والمناسب للطبيعة الأنثوية التي خلقهن الله عليها، فالمرأة هي التي أعطت المسيح للعالم، قدمت المُخلص على مذبح جسدها عندما ولدته وأتخذ كيانه وحياته البيولوجية من جسدها، لذلك، فعندما تُقدم المرأة أولادها للمسيح في المعمودية، وعندما تصير إشبينة لهم، عندما تُعلِّم الكلمة الحية لأولادها وبني جنسها تصير كاهنة لهم، هذه هي الحياة التي تُعلنها الكنيسة لكل شخص بما يتناسب مع واقعه الجندري، تبحث المرأة المسيحية عن كهنوتها الخاص في واقعها كأم وشماسة ومُكّرسة، في وجودها العيني داخل الحياة التي خلقها الله فيها ودعاها لها. تلك الرؤية الكنسية التي قد تكون في نظر البعض شديدة التخلف والذكورية، تُلهم الشخص الإنساني برسالته المسيحية المُميزة داخل واقعه المعيش، بدلًا من البحث عن مطالب عبثية تمحي روعة تنوع خليقة الله وجمال البحث الفريد لكل شخص عن دعوته وسبب وجوده.