Tuesday 7 February 2017

أين الله وقت الألم ؟! - تعليقات أرثوذكسية



أين الله وقت الألم ؟!!
تعليقات أرثوذكسية



I
مقدمة

فى الفيديو دا هحاول أوضح شوية أفكار متعلقة بسؤال " أين الله وقت الألم"
مبدئياً أعتقد إن قضية الإلم أو مشكلة الألم زى البعض بيسميها " مشكلة" ... لو جينا نتناولها بحسب اللاهوت الأرثوذكسى لازم نشرحها بشكل مبنى قضيتين تانيين " قضية طبيعة الوجود الإلهى داخل الخليقة ، و طبيعةالحضور الإلهى فى التاريخ الإنسانى ...
 فى الفيديو دا هقول بعض الملاحظات العامة و اللى فعلا كل ملاحظة فيهم محتاجة دراسة تغطيها بشكل كامل

كل دا عشان نوصل فى النهاية لرؤية عامة حول مفهوم العناية الإلهية و طبيعة تدخلات والله و تعاملاته مع الخليقة و اللى اعتقد ان المفهوم دا المصدر الإساسى للإزعاج فى إجابتنا على سؤال الألم ...

 .. و يمكن دى فرصة عشان نبتدى ... مجرد بداية ... اننا نجاوب على قضايا وجودنا الإنسانى بشكل مؤسس و مبنى على لاهوتنا الأرثوذكسى ... لأنى اعتقد ان اللاهوت الارثوذكسى فيه ابعاد و اعماق وجودية بالأخص و غايبة تماما عن واقعنا الكنسى و اللاهوتى ...
...

أولا: الإجابة عن سؤال " اين الله وقت الألم" لازم تتفهم فى سياقها ... الحقيقة انا شايف ان سياق الإجابة كله بتدور كلها فى نطاق " سيكولوجى" بحت !!
بمعنى انى مش قادر اشوف اى حد عنده مرجعية لاهوتية محترمة تقدر تقدم تصور عام عن الحياة و الوجود الإنسانى و اللى نقدر من خلال التصور دا نجاوب على مشكلة الألم !!


كله مجرد ايجاد حلول قسرية او تبريرات متعمدة او مخدرة فى بعض الأحيان ...
و أعتقد كمان سياق السؤال نفسه بيحمل علاقة اعتمادية و غير سوية بين الإنسان و الله ...

و علشان كدا انا مش مستغرب من بعض العقليات اللى بتاخد قضية الألم كسبب أو أساس يبنوا عليه اتجاههم الإلحادى لان عندهم مشكلة كبيرة فى تقبل وجود الألم العادى و الطبيعى للحياة ...

 العقليات دى بتقع  فى ما يسمى بتأليه الألم ... يعنى لما يبقى الألم هو الأساس و السبب و المحك للإيمان ....  يبقا بنحط الألم _ هو مجرد تأثرات جسدية او مشاعر سيكولوجية _ فى مستوى الألوهه و بنخليه يحددها و يحدد ايماننا بيها ...

 ... انا لا اعتقد فى دا .. و اعتقد ان الإنسان لازم يكون عنده النضج الكافى فى تقبل واقع حياته باعتبار ان الألم هو أحد اعراض الوجود بالشكل دا و فى العالم دا ...

الألم مش مشكلة اكتر منه واقع بتتعامل معاه بإيمانك المسبق و قدراتك و نظرتك للحياة مش انه يكون سبب محدد للإيمان بوجود إله او عدمه ..

 لأنى ما اعتقدش ان فى ايمان هيؤسس على سؤال الألم هيبقا ايمان صحيح او سوى  لانه هيبقا مؤسس على أزمة ... مشكلة ...
المفروض ايماننا بالله يكون نتيجة لخبرة الفرح ... الجمال ... الحب ... التأله ... للإنفتاح مش هروب من مشكلة الألم سواء بقبول فكرة ان فى حد هيكسر الواقع و ينقذك من المك او انك تحيل كل المشكلة عليه ... على الله ... و تقدرر انك تغضب و ترفض المك و ترفض الله معاه ... اعتقد ان النضوج الشخصى ليك انت حل مجدى اكتر من كل تبريرات كتير بيتم طرحها إجابةً على سؤال الألم  ...




II
تفكيك بعض المفاهيم اللاهوتية غير السوية

ثانياً : فى تشوه لاهوتى خطير فى الإجابات اللى بلاقيها عن سؤال الألم ... يعنى فى أحد الإجابات العبقرية على سؤال الألم ، واللى وصفها صديق شخصى لى انها إجابة فى حد ذاتها مثيرة و مسببة للألم ... أن الله يتألم معنا !!

الله لا يتألم معنا !!! اللاهوت ماعندوش جهاز سيكولوجى او عصبى يقدر يتألم بيه ! بحسب الآباء النساك و الهدوئيين بالأخص اللاهوت فوق الهوى  ... الله ماعندوش باثوس ... فى حالة كاملة من الآباثيا Apatheia   . .. اللاهوى ... مش بيتأثر زى الإنسان ... ماعندوش نفس دورة الموت اللى دخلها الإنسان بعد السقوط و اللى بيوصفها الآباء بدورة اللذة و الألم .. passion  ... دا مهم جدا اننا نظبط مفاهيمنا لاهوتياً كويس عن الله قبل ما نقرر الإجابة بشكل انفعالى أو عشوائى ...

كمان الله لا يتدخل و يرفع الإلم عن الإنسان بشكل قسرى ... يعنى  اذا كان الابن الوحيد لما قاسى قمة الألم على الصليب صرخ قال الهى الهى لماذا تركتنى ! ازاى احنا نتجاسر و نقول ان الله بيرفع الألم عن الإنسان بالشكل القسرى و التدخلى دا ؟ !!  ...حتى فى مفهوم تبادل الخصائص .. اللاهوت لا يرفع الألم عن الناسوت ! و مش بيديله مخدر ... و ان الابن الوحيد لما عانى من الألم على الصليب مارفعش الآلام عن العالم بشكل بدلى ، و  لكن نقل للطبيعة البشرية فيه قوة التغلب على الألم بل و العدم كله من خلال القيامة ...


كمان هنلاقى مشكلة كبيرة فى مفهوم الألم نفسه .. مفهوم الألم فى السؤال دا بيشير الى المستوى العادى و الطبيعى و اللى كلنا بنواجهه كصعوبات للحياة ... مش الألم بالمعنى الآبائى " باثوس" او "الهوى " كأحد اعراض الموت الروحى اللى اصاب الإنسان بعد السقوط ... و اللى ممكن نسميه بالاغتراب عن الله او "العدم" و هو مصطلح مهم جداً و ثقيل فى  اللاهوت السكندرى، او "القلق الوجودى " بالاصطلاح المعاصر ، او الفراغ او حالة الإبتعاد عن الكيان الحقيقى لله نفسه و اللى بنسميه إجمالاً فى اللاهوت المسيحى "السقوط"

 لأ ... الألم اللى بنجاوب عليه هنا هو مثلا ان لما جزء من جسمك بيتعبك او بتحتاج لجراحة او علاج او لما حبيبتك تسيبك او لما حد بيضايقك !!!

بمعنى اننا لازم نفرق فى اذهاننا هنا بين الألم بين و الشر .. احنا بنناقش مشكلة الألم ... العادى و الطبيعى مش الشر بالمعنى اللاهوتى الأصيل للكملة .. و الألم هنا بالمناسبة و فى اللاهوت الأبائى مؤسس على مفهوم السقوط ... و ان الأرض ابتدت تنبت شوكاً و حسكاً نتيجة لسقوط آدم و الموت اللى انتشر فى بنيه العالم ... و لكن التمييز دا هيساعدنا كتير فى فهم سؤال الألم لما نيجى بعد كدا نتعرض لمفهوم الأكولوثيا و مسببات الألم ...


III
الإعتمادية غير السوية على الله ككائن أمومى

ثانياً : إيماننا بالله كموجود شخصى و مخلص شخصى، مش معناه ابدا اننا نبنى بيننا و بينه اى علاقة اعتمادية أو نفسانية غير سوية ...

سؤال الألم بالشكل دا و السياق دا شايفه بيصدر المفهوم الأمومى المتطرف لله ... بيوصفه كأنه هو الأم اللى اللى بتدخل فى حياة الإنسان لأى سبب و لأتفه سبب ... او بالأحرى هو الكيان الأمومى اللى بيدخل فيه الانسان و يغيب تماماً ... يغيب ارداته و حريته و قدراته و كيانه لصالح كيان تانى اعلى منه متعهد دائماً بانقاذه حتى من أقل و اتفه أسباب المه ...



ممكن نقرا الكلام دا عند ايريك فروم و هو احد اشهر عباقرة علم النفس فى التاريخ اللى بيوصف حالة الاعتمادية اللى بيكون فيها الانسان على كائن امومى باعتبارها حالة للموت ... او بحسب تعبيره للنيكروفيليا اللى هى بالاحرى حب الموت ... حالة هروب الإنسان من وجوده و مصيره ناحية فكرة او كيان بيرجعه مرة تانية للحالة اللى كان مطمن و دفيان و مٌسدد فيهل كل احتياجاته و كأنه رجع مرة تانية جنين فى حالة من لا اكتمال الإنسانية ... فى رحم الام او الحضن الأمومى أو الطبيعة ...
عشان كدا انا بشوف ان اللى بيلوم او بيرفض الله من أجل الألم ... بيحمل نفس درجة الهوس بفكرة "الإله الأمومى المهيمن" زية زى  المتدين بالظبط ... مافيش فرق... الاتنين عندهم هذا التعلق الأمومى بالكائن الأسمى اللى هيحللهم كل مشاكلهم
فى حالة المتدين التعلق بياخد شكل ثقة ... لكن  عند الملحد بياخد شكل الغضب و الضجر و الاسلوب الطفولى بتاع العياط و الزن و الصريخ عشان يستفز أو يأثر على الكائن الأمومى دا

سؤال " أين الله وقت الألم" سؤال غير سوى و غير مسيحى و غير تقوى على الإطلاق . ... و بيدل على إن الإنسان  اللى بيسأله ما اتعلمش حاجات كتير فى حياته ... لسة مش متقبل عبثية و عدمية بعض الأمور فى الحياة و إن الألم أياً كان شكله أحد عوارض الوجود و شىء طبيعى جداً الخليقة كلها بتمر فيه أياً كان حالتها

مكن يكون اللى بيسأل السؤال دا اللى لسة ماحققش الحد الأدنى من النضج النفسى و العقلى عشان تقدر تفهم ان فى أسئلة فى الحياة مش بيتجاوب عليها !!!  مش بتتفسر و كل اللى تعمله انك تتقبلها زى ما هى ... لسة ما أدركش لامعقولية و لا موثوقية الحياة دى و لسة عايز يعيش فى الحضن الأمومى اللى بيتمرد عليه لما يغيب عنه ... و هو فى حالتنا الإله المهيمن اللى غاب بعنايته و حمايته عن الإنسان دا ...

انا لا اؤمن بدا .. الله عندى هو الوعى الكامل و الحرية الكاملة و القدرة و القوة اللى يتدفع الإنسان للتغلب على اى وضع عدمى فى وجوده ... بما فى ذلك الألم ...


عشان كدا لازم ناخد بالنا من ملاحظة مهمة  ... اننا ما اتربيناش فى حياتنا المسيحية بشكل عام  على الإيمان العميق بنفسنا كأيقونة الله ، و ماتربيناش على الإيمان بوجودنا و قدراتنا زى بالظبط ما بنؤمن بالله اللى اعطانا الحياة و القدرات دى ... بنخاف من صورة الكائن الحر المبدع اللى عايز مخلوقاته كيانات حرة و مسئولة زيه ...
الله عند كتير من المدارس اللاهوتية غير الارثوذكسية و اللى اتسربت منها لينا أفكار غير سوية بتؤمن بالله كحضن امومى أبدى يغيب فيه الإنسان و يفنى  ... انا لا اؤمن بدا ..

كمان فكرة سؤال " إين الله وقت الألم ؟" فى بنيتها الأساسية اللى بتتقدم بالشكل دا ..  كلها مرتبطة بوضوح بإن لازم في ألم أو موت عشان يكون الله موجود ... الإلهى هنا مشبوك بالضرورة مع العدمى ... و العدمى أسبق لأنه عله وجود الإلهى .. هنا تتنسف أى دوجما سليمة عن الخلق بإعتباره إبداع فى الأساس و تستحيل لسلسلة من المشاكل بنحاول نحلها عشان نثبت وجود الله ...

فى النظرة دى ماينفعش الإتجاه نحو الله يكون منبعه الجمال و الإحساس بالعلو و الأبدية زى ما قلت ... لكن لازم  وجود "وسخ" او قذر  يتم التخلص منه و هو فى حالتنا "الألم " عشان يبتدى الله يظهر فى حياتنا  .... اعتقد ان دا من الأسباب القوية اللى مخليانى متمسك بالتعليم الأرثوذكسى عن التأله و الفيلوكاليا كفلسفة حياة لغاية دلوقت ... انها مش بتنزلنا للمستويات الغير سوية فى نظرتنا لله ..



...
IV

لوغوسات الخلق LOGOI

نبتدى بقا نوضح بعض  الحقائق اللاهوتية اللى لازم  نعتمد عليها فى فهمنا بسؤال الألم..
أولاً : عشان نقدر نفهم طبيعة وجود الله داخل الخليقة و ان علاقتنا بيه هى علاقة كيانية بالاساس مش مجرد تأثرات او انفعالات نفسية ...لازم نوضح عقيدة الآباء الارثوذكسيين فى الخلق و اللى شرحوها حتى من قبل نيقية .. و  هى الدوجما الخاصة بلوغوسات الخلق ... لوجى  Logoi

الدوجما دى بتوضح كيفية اتصال اللوغوس الخالق بخليقته من خلال " اللوغوسات" ، لوغوسات الخلق هى  الكلمات اللى بواستطها خلق الله العالم و كل ما فيه ... بتمثل نقطة ارتباط او تماس الكائن المخلوق مع الألوهه ... بتحتوى الإرادة و العقل و الاتجاه نحو الله و امكانية التأمل فيه ... و بتحتوى كل المعانى العالية فى الوجود الإنسانى و على المعنى النهائى من وجود المخلوق ، و هو الإتحاد بالله ...

كل logoi او اللوغوسات منجمعة اصلا فى اللوغوس ... الابن الوحيد ... و اللى  بتمثل الحضور الفعلى للوغوس داخل خليقته ... داخل الطبيعة و الإنسانية و التاريخ ...

 المفهوم دا موجود بالأساس عند يوستيينوس الشهيد لوغوس سبيرماتيكوس او بذار اللوغوس الموجودة فى كل الخليقة مرورا بكليمندس و اوريجانوس ـ لغاية ما قدر يصيغها بشكل أكثر ترابطاً القديس غريغوريوس النيسى ، و اللى اتحولت بعد كدا عند ق ماكسيموس المعترف لأحد الاعمدة اللى بنى عليها كل لاهوته الانثروبولوجى و الخريستولوجى الدقيق و الموسوعى ...

لوغوسات الخلق logoi  بتكشف لنا عن طبيعة الوجود الإلهى داخل الخليقة ، ان اللوغس الخالق موجود فعلاً و حاضر و متصل  بخليقته و لكنه imminent، كامن ... موجود جواها  و بيدفعها لقدام فى مسيرتها ناحية التأله و الاتحاد بالله ... بمعنى انه بيعمل فيها من داخلها !! مش بأشكال اعجوبية او اعجازية تدخليه من الخارج  ....
... بمعنى ان الخليقة معطاه نعمة إلهيه للتحرك ناحية الله ، و لها قدره منبثقة من اللوغوس عشان تشارك الله فى حياته و وجوده و تقدر تتجاوز العدم المخلوقة منه و تقدر تتغلب على اى اوضاع عدمية أوألمية بتقابلها فى وجودها

... الله يعمل فعلا فى كل الخليقة مش عن طريق تدخلات مباشرة و صريحة فى الطبيعة او التاريخ او الوجود الإنسانى ، و لكن لأن الطبيعة الأصلية للوجود بحسب اللاهوت الارثوذكسى هى connected with Logos مرتبطة بيه عن طريق logoi

لوغوسات الخلق فعلاً مش بتفسر وجود الألم ، و دا اللى هنشرحه فى النقطة التانية "الأكولوثيا" ... و لكن بتكشف لينا عن طريقة تعامل الله مع حياتنا من انه مديها قوة و نعمة مسبقة و قدرة على التغلب و التجاوز و الابداع بفعل اتحاد اللوغوس بيها و وجوده الكامن داخلها ...


 أين الله وقت الألم وفقا لعقيدة لوغوسات الخلق ؟ الله موجود فى كل الأوقات و الأوضاع .. حتى لما بتواجه الألم ... لكنه كامن فيك ... جواك .. و هو اصلا مصدر الحياة و القوة اللى بتخلينا نتجاوز او شىء ناحية الحياة الحقيقية اللى مدعويين ليها ...


خلى بالنا انه مش بس المسيحيين هم اللى بيواجهوا الألم ... و مناقشتنا لقضية الألم مش بس تقتصر على تعامل الله مع المؤمنين بيه و لكن لازم تمتد لمناقشة تعامله مع كل ابناء الآب فى كل العالم ! و انه مش بيتدخل بشكل قسرى و مفروض و لكنه فاعل فيك انت و فى داخل كل إنسان سواء كنت بتتعامل مع الألم أو اى مشاعر او قوى تانية ...

عشان كدا احنا قدام لاهوتين متمايزين تماما ... لاهوت بيهتم بالكينونة الإنسانية و بيكشف عن الخالق كإله فاعل و موجود داخل كل إنسان سواء كان بيواجه ألم او لأ ..... و بين لاهوت غابت عنه كل المفاهيم الأرثوذكسية حول  الصورة الإلهية و حضور الله الفاعل فى الخليقة و اللى ادها نفسه عشان تقدر تتغلب على اHمها و عدمها و عشان كدا بيلجأ لمجموعة من التبريرات التغيبية ذات الطابع الانفعالى ...
 لأن اللاهوت للى مش بيهتم بالكينونة او الحقيقة بيهتم يا اما بالانفعال او البحث وراء شوية مشاكل يحلها عشان تكون اساس الايمان زى ما بيسموها "مشكلة الألم"



VI
Akolouthia
عقلانية الخليقة و كيانها الحر

المفهوم الثانى اللى وضحه الآباء عشان نقدر نفهم طبيعة اتصال الله بالخليقة هو الأكولوثيا ...
Cosmic Man - The Divine Presence: The Theology of St. Gregory of Nyssa
بيحتوى شرح فيه لاهوت القديس غريغوريوس النيسى فيها يتعلق بالحضور الإلهى فى الخليقة و التجسد

مفهوم الاكلولوثيا بيشير الى ثبات الخليقة ... يشير الى عقلانيتها و منطقيتها و خضوعها لHسباب مرتبة و لكن كل الاسباب المنطقية اللى بتخضع ليها الخليقة لا تخرج عن المعنى النهائى ليها و هو الاتحاد بالله ... التناسق و التناغم و الترابط logical consistency / coherence

عقيدة الأكولوثيا جائت نتيجة التمييز الدقيق اللى وضعه الآباء فى القرون الأولى بين الكيان الإلهى و الكيان المخلوق ...  بمعنى ان الله اعطى الخليقة وجود خاص بيها ...  توماس تورانس وضح ان فى صعوبة عند الاباء الاوائل فى توضيح طبيعة الكائن المخلوق خاصة للعالم اليونانى اللى كان بيؤمن بأزلية الكون ...

 ازاى انه جاء من العدم الكامل من الفناء الكامل اللى هو اللاشىء ... و فى نفس الوقت معطى الكيان الخاص بيه و  الإمكانية الكامنة فيه للاتصال بالله عن طريق logoi لوغوسات الخلق

و ايمان الكنيسة ظل دايما ان للخليقة حياتها و كيانها الخاص بيها و المخلوق من الله و اللى فعلا معتمد على ارادة الله فى وجوده و استمراره فى الحياة و لكنه مش مؤسس او متحد فى الكيان الإلهى !!


 ... بمعنى ان الخليقة كلها جائت من العدم من اللاشىء و بالتالى زى ما بتحمل امكانية الاتصال بالله فهى تحمل امكانية الرجوع للعدم اللى اتخلقت منه مرة تانية ... و عشان كدا من الطبيعى وفقا لعقيدة الكنيسة فى الخلق من العدم ان الخليقة تعانى من أوضاع عدمية زى الألم

مش بس كدا ... الخليقة كمان وفقا لمفهوم الاكولوثيا  ليها حريتها الخاصة ، لأن ليها كيانها الخاص  المنفصل عن الإلوهه.. و ليها منطقها الخاص بيها و خضوعها لسلسلة من الاسباب و النتائج ...

بمعنى تسونامى لما حصل فى سومطرة 2005 حصل بمشية الله ، و لا فى مجموعة من الاسباب المنطقية الواقعة فى نطاق الكائن المخلوق هى اللى سببت المشكلة ... ،انا كإنسان مسيحى ماذا اعتقد فى مثل هذا النوع من الألم ؟ هل هو فرض إلهى مثلا ؟ ولا بيخضع لمجموعة من الأسباب المنطقية بحسب الحرية المعطاه للخليقة و كيانها الخاص و اللى سببت اصلا وقوعها فى السقوط و التغرب عن الله و تشوه المعنى الاصلى لوجودها ؟ و اذا كان الألم سببه مجموعة من الاسباب المنطقية ليه الحل دايماً لازم فى اذهاننا يكون الهى .... و مايكونش بيخض لأسباب منطقية اللى بنحاول نخلقها فى واقعنا بحسب القوة المعطاه لينا من الله ؟


مبدأ الأكولوثيا مش بس بيفسر لنا وجود الشر ،  و انواع خاصة من الإلم فى العالم ... و لكن بيكشف لنا عن طبيعة دعوتنا كمسيحيين .. ازاى نستخدم نفس الاسباب المنطقية اللى فى العالم عشان نتغلب على الألم ...

الاكولوثيا مبدأ موضوع فى الخليقة سواء ساقطة او متحدة بالمسيح ... بالسقوط تحولت الخليقة من akolouthia of good to akolouthia of evil


 .. بمعنى ان العالم صار يعمل ضد هدف وجوده و هو الاتحاد بالله و لكنه ظل متمتع بحريته و كيانه المستقل و العقلانى و المنطقى ، و انه اذا كان الألم مصدره تشوه عمل الخليقة المتغربة عن الله فإن دعوتنا كمسيحيين فى التغلب على دا بحسب القوة المعطاه لينا و اللى بيخضع برضو لمجموعة من الاسباب المنطقية اللى بنسغل الخليقة عشان تعمل فى خطة الله و هدفه ...

الأكولوثيا بتكشف لنا طبيعة التدبير الإلهى فى العالم ... ان التدبير الإلهى اصلاً بيفترض حرية الكائن المخلوق و حريته فى تشكيل وضعه هى مبدأ ثابت فى الوجود ... و عليه فإن سبب الألم او نتيجته بتخضع للمبدأ دا ...



VII
العناية الإلهية كجدل بين الله و الخليقة

أخيراً : لمفهوم العناية الإلهية و النتيجة اللى وصلنالها من شرحنا للمفاهيم اللاهوتية عن الخليقة بحسب ايماننا المسيحى ...

ببساطة ... اى لاهوت مش بيشرح العلاقة بين الله و الإنسان وفقاً لمفهوم synergia ... او العمل المشترك بين الله و الانسان ،مش لاهوت أرثوذكسى ...


بحسب إيماننا الخليقة و الإنسان مدعوين يفعلوا قواهم و مواهبهم و طاقات ابداعهم و مجهودهم للتغلب على اى وضع عدمى بما فيه الألم
لأن وجود الخليقة نفسه زى ما وضحنا مش منغلق على ذاته ، يعنى مش ينبع منها و يرتد إليها  وحدها ، لكنه مفتوح دايماً على الوجود الإلهى و القوة اللى بتيجى منه للخلائق



لازم ناخد بالنا انه فى اللاهوت الآبائى كان التعليم بالخطية الأصلية مهمل و كان الأمل مفتوحاً للجميع ، السقوط لم يطمس الصورة الإلهية فى الإنسان أو يلغيها بل فقط شوهها ، و عشان كدا بتقدر تستعيد بهاءها و تُكمل تجديدها فى يسوع الابن ، دا يفتح الطريق أمام الفكر المسيحى صياغة لاهوت متفائل إنسانياً  .... لأن اى تقدم انسانى و اى محاولة ليه للتغلب على اوضاعه العدمية بيتم بحسب ايماننا وفقا عملية إنفتاح تدريجى / ديالكتيكى جدلى على الإمكانات الإلهية الأبدية المتاحة للطبيعة البشرية فى دعوتها لتكون على صورة الله و مثاله
...

و ذا كنا هنلخص كلامنا كله ، هنقول انت معطى ليك القوة بحسب اتصالك باللوغوس لاستخدام و للتعامل مع اوضاع عقلانية و منطقية العالم للتغلب على الألم او المعاناة ... و القوة دى مصدرها الله نفسه اللى وهبلنا الحياة و وهبنا معاها امكانية اننا نحافظ عليها و ننميها ..