Wednesday 28 August 2013

خريستولوجيا الوجود / مبادىء فى المسيحانية المعاصرة



خريستولوجيا الوجود
مبادىء أولى فى المسيحانية المعاصرة

                                                     



[ إن البشرية كلها كانت فى المسيح من حيث أنه صار إنساناً ]
[ المسيح هو الأصل ριζα الثانى للجنس البشرى و البداية الجديدة للبشرية التى ترجع بواسطة التقديس إلى كمالها الأول ]
كيرلس الأسكندرى[1]

[ المسيحية فى ملئها و شكلها الصريح ، ليست مجرد نظرية مجردة أو واقعة موضوعية ، المسيحية تفهم ذاتها فى جوهرها الأكثر تميزاً بإعتبارها حدثاً وجودياً حقيقياً ، ذلك الذى نطلق عليه العلاقة مع يسوع  المسيح ]
كارل راهنر

عندما تحرك الإله ليعانق الإنسانية فى رحم العذراء ، تفجر ينبوعاً أبدياً لوجود جديد دُعى يسوع المسيح . صار  القدير فى قلب تجربتنا البشرية بكل ما تحمله من كثافة و درماتيكية ،و أصبحت البشرية تتجدد و تستعلن فى سره و كأنها تنظر فى مرآة حقيقتها ، لم يكن لنا مجرد شخص نراه سائراً فى شوارع الجليل ، بل كشف لنا عن جوهره كمبدأ فاعل فى الكون كله ، يُظهر إرتباطه ببنية الوجود فى ذاته لا كأمرٍ خارجٍ عنه أو طارئٍ عليه ، كان تفجراً للحب فى عدمنا و تراجيديتنا ، حالة من التعالى الأبدى للذات نحو الحقيقة ، تخارُج  لا منقطع تجاه الآخر ، بقدر ما تسامى بوجوده نحو الله ، بقدر ما جمع أشتات إنسانيتنا الممزقة نحو أبديتها الخاصة ، لم يجعل الله فى السماء أو فى الهيكل أو فى مخادع الفريسيين الريائية ، بل خلقه داخلنا ، يسوع خلق لنا الله فى المسافة بيننا و بين حقيقتنا !




I

مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ؟
( مت 16 : 15 )

السؤال الخريستولوجى متعلق بكشف هوية المسيح ، بالطبع لم تُقدم الكنيسة نسقاً لاهوتياً واحداً فيما يتعلق بالإجابة على هذا السؤال ، إنما اعتمدت  المسيح مركزاً سوتيريولوجياً متفرداً قادراً على إنقاذ الإنسان من تغربه و سقوطه ، فهو المسيّا ، الكاهن و الذبيح، مؤسس إسرائيل الجديدة ، هو اللوغوس الفاعل فى الفكر ، و القائم المنتصر الذى وضع أعداءه تحت قدميه ، ابن الآب الجالس ليحكم ممالك الكون ، هو المعلم الأخلاقى و الضحية المأساوية ..!
أما فى العصور الحديثة ، بدايةً من القرن الثامن عشر ، لدى صعود الحركة الإنسانية Humanism  ، بدأ نسقاً خريستولوجياً جديداً فى الظهور ، قام على تطوير مجموعة من الأفكار الكلاسيكية بواسطة عدد من الفلاسفة و اللاهوتيين أمثال هيجل و شليرماخر و كيركيغارد و راهنر و بارث و تيليش و بولتمان ، وفقاً لهذا النسق لم يصبح يسوع هو إله السماء فقط ، بل و الأرض أيضاً ، أصبح سيداً للـ microcosmos  بدلاً من الأفلاك و الأقسام الطبائعية المُصنفة تراتبياً ، الآن هو مسيح الإنسان العابر ، الإنسان الثائر ، الُمشيّأ الصائر،المائت و المعدوم ،

فى هذه الدراسة ، سأسعى نحو تقديم مبادىء عامة مختصرة للنسخة الخريستولوجىة الأنطو- وجودية * existential – Ontological Christology  للمسيحية ، و هى تقوم على الإنطلاق من الأنثروبولوجيا كأركيولوجيا معرفية ، لذلك درج على تسميتها بـ "خريستولوجيا التجسد" ، أى رؤية معاصرة للمسيح تنطلق من حقيقة إنسانيته و هى فى ذلك تتخذ الجدل اللاهوتى الصاعد منهجاً ، حيث أنها تخضع بنائياً لتطور بعض النظريات الدينامية عن الإنسان ، حتى أن "راهنر"Rahner  يصفها بأنها أنثروبولوجيا متعالية   anthropology  transcendental، و يصف الأنثروبولوجيا بأنها خريستولوجيا قاصرة deficient christology .

  إن الإتحاد بين الجوهر الأصيل لله و الإنسان، و حدث تجسد اللوغوس فى وقائع التاريخ العينى جعل [ الخريستولوجيا هى ألفا و أوميجا الأنثروبولوجيا ، و الأنثروبولوجيا ، فى إدراكها الأكثر راديكالية  ، هى فى كُليتها ، لاهوتاً أبدياً ][2] ، أى أن اللاهوت و الأنثروبولوجيا يجدا أساسهما المطلق  و معناهما فى الإتحاد الأقنومى مع الله فى الإنسان يسوع المسيح ، و فى ذلك تتجلى الوحدة المركبة synthetic بين اللاهوت و الأنثروبولوجيا و الخريستولوجيا

لكن هناك بعض التخوفات من أن يكون هذا المنهج مُقارباً للهرطقة الإبيونية [3]Ebionite heresy ، لذلك يجب الإنطلاق من أصل ثانى و هو التقليد ، هذا سوف يحدث التوازن المطلوب بين النظرة الإيمانية و الفلسفية، أننا يجب أن نسعى لفهم و شرح التقليد بالتعبيرات المعاصرة عن الوجود الإنسانى ، إنه إعادة توفيق الخريستولوجيا الكلاسيكية مع المستجدات التطورية و النظرة الدينامية للإنسان .
يرتبط هذا بالطبيعة الجدلية التأويلية dialectic hermeneutical process   للمسيحانية ، أى الجمع ما بين القضاياthesis  الخريستولوجية الكلاسيكية و الفلسفة الوجودية المعاصرة فى مُركب نسقى جديد ، هو الخريستولوجيا الوجودية ، عن طريق  إعادة تأويل عقيدتنا المسيحانية تأويلاً وجودياً معاصراً ، أى تجديد الخريستولوجيا بمصطلحات الأهمية الأنطولوجية للأحداث التاريخية فى حياة المسيح و وجوده، بدون تحديدها فى الأهمية الأخلاقية وحدها . لأن المفهومية الميتافيزيقية – التى سادت العصر المسيحى المبكر و الوسيط - غير مناسبة للتعبير عن الحقائق الإيمانية - التى يجب أن تكون حاصلة فى مركز الحديث عن يسوع المسيح -  للإنسان المعاصر ، فى أجلى صورها .

  ينبغى أن يحدث هذا عبر مجموعة من الطرق ، و هىى قراءة حياة يسوع المسيح وظيفياً functional لا ميتافيزيقياً ، و إدراك أن تلك اللغة كانت معدة لتتناسب مع السياق الثقافى و الإيمانى المسيحى آنذاك .و قراءة خلاص يسوع المسيح لى أنا بدلاً من الاهتمام بميكانيزمات الخلاص الشامل ، و الإلتزام بـ "الوجود المسيحى" كونه الحقيقة الأساسية فى التعليم الموضوعى الذى تقدمه الكنيسة بدلاً من الإهتمام ببناء الأنساق الفكرية المجردة . ذلك سيعمل على تقليل الفجوة بين الخريستولوجيا العقائدية credal Christology و البيئة الفكرية ، و فى ذلك يتضح الطابع الإبتكارى السياقى الذى يجب أن يشكل نظرتنا للخريستولوجيا الآبائية . لنصل إلى نوعٍ من الخريستولوجيا التنقيحية revisionary تناسب الفكر المعاصر .

 لكن لا يجب الظن بأن تأويل الخريستولوجيا وفقاً لأنساق فلسفية مختلفة سوف يقود إلى تباين فى الإيمان ، بل فقط فى صيغ التعبير  ، فيجب النظر إلى كل مقاربة خريستولوجية بفرادتها و ميزة مساهمتها فى الفكر اللاهوتى الكنسى .

هذا ما قاله اللاهوتى الأرثوذكسى جون بيهر : [ إن هوية المسيح لا تُشرح من تفاصيل سيرته الذاتية المجردة ، بل بواسطة تأويل تلك التفاصيل و من خلال فهم أهمية شخص و عمل يسوع المسيح ][4]
 نظرتنا إلى المسيحانية يجب أن تنصب على كونها فكرة دينامية ، و أن ملىْ عمقها و كمالها لم يُسبر غوره بعد، و لازال يتعين علينا المزيد من إكتشافه .
. . .



II
مســـحنـة الوجود
Existence Christhood



[ كل إنسان يحمل الشكل الكامل للوضع البشرى]
 مونتين


تجسد اللوغوس يعنى أن الله أعلن ذاته كونه النقطة العليا التى لا يجب تجاوزها فى التاريخ البشرى كله ، و بحسب  شليرماخر ، فإن الخريستولوجيا هى رؤية لمرحلة كمال البشرية التى لا تزال فى نموذجها اللاكامل ، و من هذا المحك يجب أن  تنطلق النظرة الخريستولوجية من الإنسانية فى عموميتها و ليس فقط فى فرديتها ، و إنسانية المسيح يجب النظر إليها كونها مرآة حقيقية تُكشّف فيها صورة الإنسانية بشكل عام .

قد نُظِّرَ لهذا بكثافة فى اللاهوت الآبائى ، فالمسيح هو أخونا البكر Πρωτοτοκοσ بحسب النص البولسى، و مساوياً لنا فى الجوهر  ομοουσιοςو الطبيعة  ομοφυης ، واحد مننا εις εξ ημων ، إن المسيح هو الإنسان الأولى Πρωτος Ανθπωπος    و قد صار الأصل و الباكورة الثانية δευτερας απαρχης  لجنسنا ، و الطبيعة الإنسانية توجد فى أقنوم الكلمة υποσταιαζεται μεσω του Λογου
بحسب كيرلس فإننا [ نحن جميعاً كنا فى المسيح ، و الشخصية البشرية فى عموميتها قامت فيه من جديد ][5] [ قد صار ما هو خاص بالمسيح ملكاً مشتركاً لعموم الطبيعة البشرية ][6] ، ، بل أن المسيح يوجد الآن فى البشرية كلها بحسب هيلارى من بواتييه !  و هو يقف مكاننا كبديل عنا و ممثل و نائب بمصطلحات اللاهوت الوسيط .

تلك التعبيرات كانت غير شخصية إلى حد بعيد ، لكن فى العصور الأخيرة أصبح لدينا تصور عن ترابط الإنسان مع المجموع على نحوٍ كافٍ عن طريق تطوير مجموعة من النظريات تعبر عن الشراكة corporateness البشرية .
إن الشخص ليس وجوداً منفرداً ذا حدودٍ واضحة ، بل محاط بالآخرين ، و مُنوجد وسطهم ، الآخرون يدخلون فيه و هو فيهم ،لذلك فإن فلسفة مارتن بوبر مهمة جداً فيما يتعلق بتطوير تلك الفكرة الإنسانية ، و من ثمّ الخريستولوجية ، فلا يوجد "أنا" بدون "أنت "there is no I without a Thou و تلك الفلسفة عن العلاقات الشخصية البينية كان لها أهمية قصوى فى تطوير الوعى الوجودى ،  الأمر نفسه يظهر فى الميتافيزيقا الهيجلية و فكرة "النفس الشاملة" فى حديث يونج عن اللاوعى الجمعىcollective unconscious   ، كل تلك النظريات تعبر عن حقيقة عميقة فى الوجود البشرى .

هذا ما قرره جون زيزيولاس،  كممثل للفكر الوجودى فى اللاهوت الأرثوذكسى [ إن جسد المسيح ليس هو جسد المسيح الفرد فى المقام الأول و من ثمَّ مجتمع من الكثرة ، بل فى وقت واحد كلاهما معاً ]  [7] ، وهذا ما ظهر فى لاهوت الأب تيار دى شاردان اليسوعى ، أن الكون يتجه لعملية مسحنة Christification ، و أن الوجود كله يجسد و يعبر عن روح المسيح .



. . .
فى تلك الدراسة ،سأؤصّل لثلاث معضلات أنثربولوجية إشكالية  فى الفكر المعاصر ، فى البدء سأعرض الرأى الفلسفى ،ثم أوضح وجهة النظر المسيجية، أكشف كيف يمكن أن تتكشف فى ضوء المسيح ،و كيف يمكن للخريستولوجيا الكلاسيكية أن تفيدنا – فى ذاتها أو عند تأويلها – فى بناء نظرة مسيحية من أجل تجلى الإنسان .
. . .



III
المُعضلة الأولى
لماذا يوجد شىء بدلاً من اللاشىء ؟

بحسب سارتر و ليبنتز ، هذا هو السؤال الأساسى فى الفلسفة ، بل يعد المسألة الأكثر جوهرية فى كل الأنساق الميتافيزيقية قاطبةً ، و على حين اتخذت الإجابات الفلسفية له فى العصر اليونانى نمطاً كلياً مجرداً ، يُعبر بمصطلحات الجوهر و الطبيعة عن معنى الإنبثاق من العدم ουκ οντος  أى اللاوجود الذى هو سلب للوجود و ليس له علاقة به ، أى الفناء ، سارت الإجابة الوجودية الحديثة فى طريقٍ مختلف .
تنصب النظرة الوجودية للإنسان على أنه كائن لايزال فى طور الإنبثاق emerging, ، فالفعل يوجد ex-ist  مشتق من الفعل اللاتينى ex-sistere  و يعنى يبرز stand out  أو ينبثق ، أن يوجد الإنسان هو أن "ينبثق" من العدم ، لذلك لا يجب أن نفهم ذلك الوجود على نحو سلبى passive بمعنى "ملقى به حولنا فى مكان ما " بل أنه يبرز و يخرج على نحو دينامى من العدم . فالإنسان ليس له ماهية essence  ثابتة ، و هو عينى جزئى لا كًلى ماهوى ، و الوجود الإنسانى فقط هو الذى ينطبق عليه تلك الحالة من التخارج ، و "الوجودية" فى عموميتها تعنى بذاتى فى كفاحى لكى أكون أنا ذاتى وسط العالم و الأشياء و الآخرين .
لذلك فإن الشكل الإنسانى النهائى و الأخير لم يظهر بعد إلى حيز الوجود ، بل أن الدراسات البيولوجية و لا سيما نظرية التطور تدعم هذا المنظور اللاإكتمالى للوجود و تقدم أساس تجريبى empirical لهذا المفهوم، أن الإنسان هو كائن لا يزال على طريقه نحو الظهور بدلاً من كونه منتجاً نهائياً ، إنه موجود ex-sistent ، أى أنه الكائن الذى لم يمتلك بعد الماهية الكاملة بل يتحرك باستمرار للخروج من العدم نحو الوجود الحقيقى بواسطة إدراك ذاته ،
أما هذا العدم μη οντος فهو اللاوجود كإمــــــــكان يدخل فى علاقة جدلية مع الوجود بإعتباره القطب الأصلى المناقض له ، بحسب الفيلسوف الروسى الأرثوذكسى نيكولاس برديائف فإن الإنسان هو عاطفة من "حرية الإمكان" ، فكل وجود موضوعى محدد هو غير حقيقى ، و اللاوجود بمعنى الإمكان هو الواقع الحق ، بفضله يصبح الإنسان شخصاً ، أما الوجود الفعلى المتحجر الكامل الذى يتشارك فيه الإنسان مع العالم الموضوعى فهو يحيل الإنسان إلى مجرد فرد أو شىء .

بحسب سارتر ، لايمكن أن يوجد عدم خارج الوجود ، و العدم بإعتباره لاوجوداً لا يمكن أن يعدم نفسه ، إنما يظهر فى صورة وقائع سلبية نطلق عليها سلبيات negatites و عن طريق الوجود تسلل العدم إلى الأشياء ، أى أن العدم يوجد فى نفس الوقت مع الوجود أى يساوقه coexisterait  فالإنسان هو الذى فتح باب العدم فى العالم ،: " إنه الكائن الذى بواسطته يجىء العدم إلى العالم"، إى أن الإنسان يفلت بنفسه خارج الوجود و ينعزل بإفرازه العدم ، و عملية الإعدام متعلقة بعلاقة الذات بنفسها .
و كإمتداد لنفس المعنى نجد العدم يتخذ شكلاً أكثر ذاتوية عند فيلسوف وجودى جديد، هو كولن ويلسن الذى يقول فى "اللامنتمى" : [ لا يعرف اللامنتمى مّن هو ، لقد وجد "أنا" لكنها ليست "أنا" حقيقية ، أما هدفه الرئيسى فهو أن يجد طريقاً للعودة إلى نفسه ] 
.  .  .
                                                           

الإنبثاق من قلب العدم


إن تتبعنا الحل المسيحى لإشكالية العدم ، فسنجد اللاهوت الآثناسى سنداً قوياً فى تجلى العلاقة الأنطولوجية و المنطقية بين وجود الإنسان و كينونة المسيح .
 فالله خصب فى صميم ذاته ، و هو العلة  αιτιος لكل الموجودات ، و هو مصدر απχη   كل الوجود لأنه أب لابنه الوحيد منذ الأزل ، و هو ينبوع πηγη   فى صميم طبيعته الداخلية كآب ، فنحن عندما نسمى الله أب فنحن لا نسمى إحدى صفات الله و إنما ندلل على صميم كيانه .
 فإن لم يكن الابن مولود من الآب أزلياً ،فلا يكون الآب - من الأساس - ولوداً γεννητικος  أو مثمراً καρπογονος  فى جوهره الذاتى [لن تكون طبيعته مثمرة ، و بذلك لن يكون لجوهره الذاتى أى كلمة و لا حكمة و لا صورة إطلاقاً ] ،، و بالتالى لا يمكن إعتباره مصدراً للوجود أو لأى كيان على الإطلاق ، و عندئذ تنتفى الخليقة !  . فلأن الله ولود فى صميم كيانه ، و هو يحب الابن منذ الأزل ، فهو قد خلق العالم بحريته و صلاحه و خيريته المطلقة ، فلو كان الله بلا مولود αγονος  لكان بلا أعمال ανενεργητος  لأن الابن هو مولوده الذى يعمل من خلاله .
 [ فالمخلوقات إنما خُلقت قطعاً بواسطة الكلمة و الحكمة، و لولا الكلمة لما كان ممكناً أن يوجد أى شىء ، و الآب كما يقولون عنده الكلمة الذى فيه و بواسطته يخلق كل شىء و إلا لكان الجوهر ليس خصباً بل عقيماً و مجدباً ερημοσحسب رأيهم ، كالنور الذى لا يضىْ  ως φως μη φωτιζον و كالنبع الجاف πηγη ξηρα، فكيف لا يخجلون عندما يقولون أن الله لديه طاقة خلاقة ؟
 ... كانت الأشياء التى هى معه خارج جوهر الله و لم تكن موجودة من قبل ـ و قد خلقها عندما شاء أن يجلبها إلى الوجود ، و أصبح هو خالقها و صانعها ، و لكن هو ـ قبل ذلك بكثير ـ أباً لمولود من جوهره الذاتى ، لأنهم إن كانوا ينسبون لله أنه بالمشيئة يوجد الأشياء غير الموجودة ، فلما لا يقرون بأنه فى الله شىء أعلى من المشيئة ، ألا و هو الطبيعة الخصبة ، و كما سبق أن قلنا يكون عمل الله كخالق هو تالٍ لكونه أب ، لأن الابن هو خاصته و هو حقاً من تلك الغبطة ، و الجوهر الكائن دائماً ، أما الاشياء المنظمة فقد صارت إلى الوجود من مشيئته الذاتية ، من خارجه و قد خلقت بواسطة ابنه الذى هو من ذات جوهره ]
( المقال الثانى ضد الأريوسيين  14 :2 )
. . .
المدهش حقاً ، و الذى يجعلنا نصنع مقاربتنا تلك بين اللاهوت الآثناسى و الفكر الوجودى المعاصر ، أن مفهوم الوجود و العدم عند ق. أثناسيوس يتضمن فكرة الحركة الدينامية فى ذاته ، و هذا يشار إليه بدقة و وضوح فى تعبير أثناسيوس عن الإنسان الصائر  γενητος ، أى أنه عملية صيرورة دينامية من العدم تجاه الله بفعل حبه و صلاحه المعلن فى محبته للابن الأزلى ، و هو يتحدث عن العدم بصيغ الإمكان  εκ του μη οντος ، إى أنه حالة وجودية ينتقل إليها ευκινηςια  الإنسان بالسقوط و يبقى فيها μενειν    [فإن كانوا وهم فى الحالة الطبيعية ، حالة عدم الوجود ، قد دُعوا إلى الوجود بقوة الكلمة و تحننه ، كان طبيعياً أن يرجعوا إلى ما هو غير موجود ( أى العدم ) عندما فقدوا كل معرفة بالله  ][8] فالعدم هنا ليس الفناء الكيانى بل حالة وجودية تتحرك نحوها الطبيعة البشرية بعيداً عن الله . و هو ما يقترب كثيراً من المفهوم الحديث .

 I ) الخلق هو حالة دينامية  in acto و ليست ساكنة  in stato كما يمكن أن نتصور ، فالوجود وحده ثابت ساكن و عقيم و هو يصبح متحركاً و دينامياً حينما نربطه باللاوجود بمعنى الإمكان ، هذا بحسب الموقف الجدلى لبول تيليش .

لذلك يجب أن تنطلق نظرتنا اللاهوتية للوغوس ليس فقط كونه "سابق الوجود" pre-existence  بل إلى كونه أيضاً "ما هو أبعد من الوجود" beyond-existence ، لأن كل عملية خروج  من العدم نحو الوجود ، يرعاها اللوغوس بإعتباره أصلها ،كونه السبب الأنطولوجى لديالكتيك التخارج من العدم .
الله لم ينتهى من الخلق بعد  لأن العدم لم يصر عدماً بعد ! الله يخلق الإنسان فى كل لحظة من لحظات الزمان ، يُخرجه من وجودٍ عدمى إلى وجودٍ حقيقى  و من وجودٍ حقيقى إلى وجودٍ أكثر حقيقية . فالإنسان هو ما يصيره لا ما يكونه ، و هنا يتجلى الوجود كإمكانية و ليس ككينونة .

II  ) الوجود الإنسانى هو "إمكان الحب" ، الحب ليس أخلاقاً بل هو - فى الأساس- الوجود المنبثق من عدميته ، هذا له دلالة عظيمة ليس فقط من الناحية الأكسيولوجية القيمية ، بل أيضاً من ناحية خريستولوجية ، فكل ما ورد فى العهد الجديد عن "الحب" سواء فى تعاليم أو موت يسوع ، يعبر عن التجسد كونه "خَلقاً" و ، و استعلان "الوجود الجديد" و "الخليقة الجديدة" فى يسوع لا يُمكن أن يفهم إلا على أنه حباً متجسداً لكل مَن هو آخر ، و الإنسان الذى يخرج من العدم بحثاً عن ذاته لن يجدها إلا فى الابن ، الخالق ، و المحبوب منذ الأزل .
الحب فى الفلسفة المسيحية هو وجود، أى حركة إلهية تكشف لنا الإنسان فى حقيقته .
III  ) لا يمكن أن نصف "وقائعية الإنسان " بالإرتماء  Geworfenheit  على حد تعبير هيدجر ، أى أنه قُذف به فى الوجود بما يجاوز إرادته، و ملقى به فى عالم ليس من صنعه ، إنما يجد الوجود المتموضع تليولوجيته و غايته فى الحب الإزلى بين الآب و الابن ، أن تكون موجوداً بحق هو أن تحب كالله ، هذا ما أعلنه يسوع ليس فى تعاليمه فقط ، بل فى وجوده المفارق عن عالمنا منذ الأزل فى حضن الآب .
لماذا أنا موجود هنا ؟ لكى أصبح مسيحاً ! ،  و كيف يكون ذلك ؟ بأن تُحَب من الله و تُحِب كالله ، على أن يكون حباً حقيقياً ، هذه ليست أخلاقاً ، بل وجوداً حياً جديداً يكشف لنا ذاته فى يسوع المسيح !
و بالتالى يعد البعد الأكثر جوهرية فى الخريستولوجيا أن المسيح هو وجود Ek-sistence الوجود البشرى !


 . . .
وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا
(يو 1 : 14 )


الإنسان يجد نفسه فى خضم خبراته الفينومينولوجية الظاهرة و مواقفه اليومية المعاشة ، أى فى الصيرورة، التى تعنى الحركة و التطور عبر التاريخ و الإنتقال بين حالات وجودية و مواقف عينية مختلفة للذات المتجسدة ، فهو " سائر على الطريق"  ، مُرتحِل ،  "إنساناً عابراً " Homo Viator  على حد تعبير جبريل مارسيل .

بالتجسد استُعلن الله فى قلب الصيرورة البشرية ، و هذا البعد التاريخى الصيرورى له صدى فى مجمع القسطنطينية الثالث ( 680 – 681 ) و كتابات بطله ق.ماكسيموس المعترف :
[ كما نعترف بطبيعتين متحدتين بلا إختلاط و لا إنقسام ، كذلك بناءً على الطبيعتين نقر بإرادتين، و كذلك بعملين طبيعيين إلهى و إنسانى و ذلك يثبت تثبيتاً كاملاً و بدون إهمال أن يسوع المسيح ربنا و إلهنا الوحيد نفسه هو حقا بطبيعته إلهاً كاملاً و إنساناً كاملاً ـ ما عدا الخطية ـ و هكذا كان يريد و يعمل خلاصنا كإله و إنسان فى الوقت نفسه ]
أدخل هذا المجمع البعد التاريخى لحياة يسوع الأرضية ذلك الذى سيطوره اللاهوت الغربى فيما بعد ، و هنا انعطفت لغة المجامع من اللغة الأنطولوجية إلى اللغة التى تقدم الصيرورة و التاريخ ( الإرادة و العمل)  ، فهوية يسوع لم تظهر فى الأنطولوجيا وحدها ، "إله حقيقى و إنسان حقيقى"، بل ظهرت فى تاريخ حياته و تعاليمه و موته و قيامته ، "فالكلمة صار بشراً" ، "الكلمة" و "بشر" هما تعبيران ميتافيزيقيان يدلان على الطبيعة ، أما الفعل صار εγενετο   فيدل على التاريخ و الصيرورة .


تلك الصيرورة أصبحت معبراً نحو تجلى آخر لطبيعة الله ، يقول توماس تورانس :
[ الحقيقة ،أنه فى التجسد، الله قد صار إنساناً بدون أن يتوقف عن أن يكون الله ، ذلك يخبرنا أن طبيعته توصف بالسكون و الحركة ، و أن كينونته الأبدية هى أيضاً صيرورة إلهية ، هذا لا يعنى أبداً أن الله قد صار غير ما هو كائن منذ الأزل ، أو أنه عانى من صيرورته فى كينونة أخرى ، بل بالأحرى يستمر دون توقف أن يكون ما هو كائنه ، و أنه سيكون أبداً فى الحركة الحية لكينونته الأبدية ، صيرورته ليست على طريقة الصيرورة نحو الكينونة أو نحو الملىْ ، و لكنها الملىْ الأبدى و فيض كيانه المطلق ذاته ، و هى تعبر عن الطبيعة الدينامية لكيانه ، الصيرورة هى الجانب الآخر من كينونته، و كينونته هى الجانب الآخر من صيرورته ، صيرورته هى كينونته فى الحركة ، و كينونته فى الحركة هى صيرورته ][9]

هذا المقبوس يعبر عن إنعطاف الفكر اللاهوتى الحديث عن سياق اللاهوت الكلاسيكى ، فبحسب المقالات الشهيرة التى صدّر بها كيرلس الأسكندرى كتابه "الكنوز فى الثالوث" ، فإن الله "غير صائر" αγενετος   ، أما تورانس فيعبر عن إدراك الفكر اللاهوتى لمنطقة طالما كانت مجهولة فى طبيعة الله نفسه، أن الكينونة الإلهية فى المسيح لم تعد ماهية ثابتة بل ماهية صائرة  being - in – becoming ، فالله أصبح صائراً ، لا بمعنى التغير ، و إنما كتعبير عن الحركة الأبدية لطبيعته الحرة ليكون ما هو كائنه ، مشاركاً وجودنا البشرى فى طبيعته الصائرة ، ليس فقط فى تجسده ، بل أيضاً فى كيانه ، معبراً عن الحقيقة القصوى للصيرورة كنمط أنطولوجى كُلى للوجود.
صيرورة الله فى التاريخ البشرى ليست فقط حجة فكرية على كيانين ستاتيين هما الألوهة و الإنسانية ، بل هى معبرنا لفهم تلك الدراماتيكية الإلهية عينها ،و فى نطاق تلك الدينامية ، فإن الحدث الإلهى لتجسد الكلمة هو  فى الواقع حرية الله غير المتغيرة ، حرية أن يكون ما هو كائن ، و حرية أن يكون أى شىء لم يكنه من قبل  !


IV
المُعضلة الثانية
ما هو الأليثـــيــا ؟

هكذا تسائل بيلاطس قديماً ...

 على يد هيدجر و فى نصه الشهير " ماهية الحقيقة" حدث إنعطاف خطير فى إدراك الفكر الفلسفى لمعنى الحقيقة ، و أصبحت"ماهية الحقيقة هى الحرية" ، و تعنى فى المقام الأول "بتحول كون الإنسان ذاته" ، بل إن مفهوم الحقيقة كصواب كما نجده طول تاريخ الفلسفة هو مفهوم فرعى أو مشتق يتأسس فى الماهية الأصلية للحقيقة ، و هى حرية الكائن المُتجلى ،هى ترك الكائن ليكون ما  هو das seinlassen des seienden  ، أى الإقبال على المجال المنفتح اللامختفى الذى يمكن أن يتجلى فيه كل كائن ، هى إنكشاف الكائن  و التعرض له، و تعنى الإقامة فى حقيقة الكائن و صيانة هذه الحقيقة ، مع هذا الكشف يحدث الإنفتاح الذى يجد فيه الإنسان ذاته ، فهو يتحدد قبل كل شىء بمقدار إرتباطه بهذا المجال اللامختفى الذى هو الأساس الحامل للإنسان و كل تصرفاته ، هناك فى هذا المجال سيتجلى الإنسان النهائى .
. . .
هنا يتم بروز الأثر الماهوى للوجود ، تلك هى "الأنطولوجيا الأساسية" التى فشل هيدجر فى التوصل لها ! ، فما هو هذا المجال اللامختفى الذى تحدث عنه هيدجر ؟ "هو الإختفاء ذاته" !!  إنه يتأسس فى الخفاء المنتمى للاخفاء ، و الذى لا يتحكم فيه الإنسان و لا يخضغ لنفوذه ، فبهذا المعنى يكون الإنسان فى التيه ، نظراً لأن التيه ينتمى لماهية الحقيقة فلا يمكن أن يتجنبه أحد !!!
  هذا أقصى ما يمكن الوصول إليه ، كما قال هابرماس فى "الخطاب الفلسفى المعاصر" : [ مهما بلغ اختراق فكر هيديجر للميتافيزيقا ، فهو حتماً لا يصل إلا إلى الفراغ ]
 نحن أمام إعادة بعث لأكثر المسائل الفلسفية تعقيداً منذ عصر هيراقليطس و هو السؤال عن "الكينونة" ، و أمام أكبر فشل فى الإجابة على هذا السؤال ! هذا الفشل الذى أدى إلى تقويض أسس النزعة الإنسانية و تفكيك ميتافيزيقا الذات ، فهو لا يهتم بالمستوى الذى يوجد فيه البشر ، بل المستوى الذى لايوجد فيه إلا الوجود ذاته  [ ليست المسألة التى تشغلنى هى وجود الإنسان ، بل هى بالاحرى مسألة الوجود ذاته ] كما قال هيدجر  فى "رسالة فى النزعة الإنسانية" ، و بذلك يكون الهدف الرئيسى للفلسفة هو الإرتماء فى أحضان ضرب غريب من التصوف! ، فهذه دعوة للصمت و إلى الإنصات "لنداء حقيقة الوجود" الخالى من أى مضامين إنسانية ، بل أنه وصل إلى حقيقة الوجود إنها عدم و موت و خواء ! لقد ظل السؤال بلا إجابة ، و أصبح "الإنكشاف" غير منكشف بعد !
إذاً ، فكيف قدمت المسيحية الإجابة على ذلك التساؤل ؟
. . .


أَنَا هُوَ َالْحَقُّ
( يو 14 : 6 )


  تلك هى الحقيقة ، ليست مثالاً أو فكراً أو إختفاءاً ، بل ذاتاً إلهية متجسدة ، إن الإنسان يستطيع أن يجد أخيراً "مجاله المنفتح الذى يتجلى فيه" أى المسيح ، و الـ Αληθεια هى اللاتحجُّب ، أو اللاإختفاء ، ( تتكون من البادئة α  و هى نفى و الفعل ληθω     أى أهرب أو أختفى ) ، فالمسيح لم يكن تجلياً لله فى الوجود الإنسانى فقط ، بل كان أيضاً تجلى الإنسان فى العالم، و هو قوته و إمكانيته لإدراك حقيقته
[ التجسد هو المثال الأعلى و الفريد ، لشخص قد حقق بشكل كامل ماهية الحقيقة الإنساني ، لأنه وفقاً لحقيقة هذا الإنسان قد أخضع نفسه كثيراً للسر المطلق الذى نسميه "الله" ]
 راهنر
...

I  ) يسوع المسيح هو إنسانية الله الماهوية Essential God- Manhood :
  فإن كان الإنسان وجود يبحث عن ماهية ، فسيجدها فى المسيح ، و لا يمكن قيام أنطولوجيا نهائية و مطلقة[10] للإنسان إلا فى الخريستولوجيا ، و بهذا فالمسيحية لا تعترف بأى تحليل للوجود الإنسانى الساقط يُطلق على ذاته لقب "أنطولوجى" و يتحدث باسم البشرية بإعتباره حقيقة مثلما فعل هيديجر ، المسيح فقط هو الذى يظهر البنية المطلقة للحقيقة الواقعة ultimate structures of  reality

[ التجسد قد جلب الإمكانية الأنطولوجية لبقاء المخلوقات و التى تتحقق بالكامل فى القيامة ، التجسد الحقيقة الإلهية للشخصية فى العالم ] [11]
جون زيزيولاس
  يقول تيليش  :

[ ما نراه من حقيقة مذهلة ، من حقيقة تفارقية ، أنه فى وسط الوجود الإنسانى نجد صورة الإنسانية الجوهرية ، تلك الحقيقة ليست مثالية ideal ليست شيئاً يرتجى و يُنبأ به  ( كما فى العهد القديم و فى كل التاريخ الدينى ) بل يُنظر إليه  بصفته حقيقة تشع من خلال صورة المسيح ]

إن ظهور الوجود الجديد يعد مفارقة الرسالة المسيحية ، فمن الناحية التاريخية و من الناحية النسقية ، نجد أن كل شىء فى المسيحية هو تجسيد للتأكيد البسيط الذى يقول أن يسوع هو المسيح ، هذا التأكيد ليس تأكيداً لاعقلانياً و لا هو بالتأكيد العبثى ، كما أنه ليس تأكيداً عقلياً تأملياً و لا هو بالتأكيد العقلى الجدلى ، و لكنه تأكيد مفارق ] [12]
 [ إن الوجود الجديد هو الوجود الماهوى فى ظل أوضاع الوجود ، إنه يقهر الهوة بين الماهية و الوجود ، و هو يقهر اغتراب الوجود الفعلى ، المسيح هو الوحيد الذى قهر الصراع بين الوحدة الماهوية للإنسان و الله و بين الإغتراب الوجودى للإنسان

[ و لكن أولئك الذين هم من بيننا الذين يجرأون على مواجهة مشكلة الحقيقة قد ينصتون إلى ما يقوله الإنجيل الرابع عنها ، إن أول ما يلفت نظرنا هو أن الحقيقة التى يتحدث عنها يسوع ليست معتقدية بل واقعة ، و هى أنه هو نفسه الحقيقة !، إن الأحكام هى إما صادقة أو كاذبة ، و الناس قد يملكون الحقيقة أو لا يملكونها ، و لكن كيف لهم أن يكونوا هم الحقيقة ؟ إن الحقيقة التى يتحدث عنها الإنجيل الرابع هى واقع جديد، هذا الواقع الذى لا يخدعنا إذا قبلناه و تعايشنا معه ، فإذا كان يسوع يقول "أنا هو الحقيقة" فإنه يدل على أنه هو الحقيقة الأصلية ، الحقيقة القصوى حاضرة ، أو بقول آخر إن الله حاضر غير محتجب ، غير مشوه فى عمقه اللامتناهى فى سره التفارقى ، إن يسوع ليس الحقيقة لأن تعليمه حقيقته ، بل إن تعاليمه حقيقية لأنها تعبر عن نفسه ]



II  )  [ "الأنت" لن يساعدك فى الحياة ، أنه يساعدك فقط أن تلمح الأبدية ][13] ، هكذا كان يعبر مارتن بوبر عن الثقل الوجودى للعلاقة بين الذوات ، فإذا كان الإنسان من خلال "الأنت" يصبح ذاتاً مشخصة ، و  إذا كانت العلاقة بين الأنا و الأنت هى التى تصل بنا إلى عالم الحقيقة ، فإن الذات تجد حقيقتها فى المسيح لأن فيه وحده تنفتح على الله ، الذى هو "الأنت الأبدى" الذى تلتقى معه الذات فى حياتها الديالوجية الحاضرة . و بذلك يتحقق " الإنسان الديالوجى" ، و هو مقولة روحية بالأساس يعهد بوجوده كله إلى الديالكتيك الدائر بين الله و العالم .
و بتلك العلاقة الذاتية مع الله فى المسيح ، تتجلى الذات الإنسانية و تتغلب على عملية الإحالة الموضوعية objectification  فى عالم الأشياء ، بحسب لغة برديائف ، لأنها فيه تحقق وجودها تجاه الحرية المطلقة ذاتها فوق العالم المادى المُشيّأ ، أى الله ، و عن طريقها فقط تُعلن "خريستولوجيا الإنسان"[14] ، و يبدو أن ذلك كان يعبر عن إختبار شخصى لبرديائف الذى اتى إلى المسيح من خلال تجربة حميمة فى دروب الحرية .

III  ) الحقيقة ... ذات :
لاحظ كيركيغارد – قبل هيدجر - ذاتيّة إعلان الحقيقة عن نفسها فى النص اليوحناوى ، و كان هذا نقطة الإنطلاق فى فلسفته الذاتية و بداية التيار الوجودى الحديث برمته ،فكما أن المسيح قد مارس التهكم السقراطى بتجسده ، فعاش 33 سنة متخفياً كما لو كان إنساناً وحسب ، عاش حقيقته و لكنه لم يُعلّمها بموضوعية بل جعل حياته تعبر عما هو ، و أعلن الحقيقة فى حياتة الوجودية الخالصة، فالذات أيضاً ينبغى أن تكون كذلك ، فلا غنى عن الحقيقة أن تكون حقيقتى "أنا" ، كى ما تكون جديرة بتلك التسمية ، يقتضى من الحقيقة ألا تكون مجردة بل ذاتية ، وجودية ، نبحث عنها فى المواقف العينية ، ليست الحقيقة حيادية بل حقيقة تتعلق بذاتى أى بوجودى، فالوجود الذاتى هو الوجود بمعنى الكلمة ،

هذا جانباً جديداً يُضاف إلى ما رسخه الفكر المسيحى فيما يتعلق بالتشبه بيسوع "كمثال أخلاقى"، فالشبه هنا لا يجب أن يكون فى الأفعال الجزئية وحسب ، بل فى "نمط الوجود" الذى عاشه يسوع ، نمطاً يجلب الحقيقة للذات فى معيشتها القلِقة ،و يعلو بها فوق الفكر ، و الضياع وسط الآخرين ، حقٌ يستعلن فى الإنسان و ليس فى كياناً مفارقاً يبحث عنه و لا يجده .




V
المُعضلة الثالثة
كيف نَبلُغ الإنسان الأعلى ؟



فكرة أن الإنسان ما هو إلا عملية علو ذاتى process of self-transcendence  ظهرت فى الماركسية و التوماوية ، و توجد بقوة فى الفكرة النيتشاوية عن الإنسان الأعلىubermensch  ، لكن مُقاربتنا الآن مع "إنوجادية " هيدجر .
الإنوجادية تعنى أن الإنسان يوجد كتوقع لإمكاناته ، و يتخذ موقفه كتحد لقوته لكى يكون ما يمكنه أن يكونه لا أن يكون ما يجب أن يكون ، إن الإنسان تجاوز لنفسه ، وجوده عينه يتآلف فى استهداف ما ليس عليه بعد ، و يكمن فى النزوع إلى إمكانيته فى التحقق ، " الإنسان أساساً إمكانية "
و مع ذلك فإن مثل هذا العلو الإنسانى لا يتعدى إطلاقاً نطاق العالم الذى أُعطى له ، إنه مشروع من العالم و للعالم و مع العالم ، الإنوجادية هى توقع الإنسان لنفسه و فى عالمه ، إنها فهم العالم .
...
بالطبع لا يوجد فكراً خريستولوجياً لا يعترف أن يسوع المسيح هو "الإنسان الأعلى " ، ليس هذا فقط ن بل أنه يجعلنا مثله ، فهو تنازل لكى يرفعنا إلى رفعته الخاصة Προς το ιδιον  ، و كرامته الخاصة Εις τηω οικειαν     ευγενειαν ، و امتيازه الخاص εις το αυτου αξιςμα بحسب التعبيرات الكيرلسية ، أى أنه يستطيع أن يأخذنا إلى أبعد من إنسانيتنا الحاضرة و عالمنا المفكك الذى نحياه ، و بذلك يعلو على علو هيدجر نفسه !
 و يرتبط العلو الإنسانى بالخريستولوجيا تأويلياً فى فكرتى التأله و الصعود ،فكلمة Sender اللاتينية معناها "يصعد" و trans تعنى فوق أو ما بعد ، فالمعنى الحرفى للترانسندنتيا هو الصعود .   
و يقع إتحاد الطبيعتين فى قلب التعالى المسيحى ، فالابن قد ألّهنا بموجب إتحاده مع الله و تبادل الخصائص Η αντιδοση των ιδιωματων بين الطبيعتين ، لذلك يجب إعادة تأويل اتحاد الطبيعتين فى المسيح أولاً لتقديم فكرة التأله بشكل عصرى .



شخص واحدة فى طبيعتين
العديد من اللاهوتيين المعاصرين واجهوا صعوبات فى التعامل مع الخريستولوجيا الكلاسيكية ، إن أنطولوجيا الجوهر و الطبيعة التى تفترضها المجامع ، و التى تجعل العلاقة بين الألوهة و الإنسانية مثل " لوحين خشبيين تم لصقهما سوياً "[15] على حد تعبير كارل بارث ، لم تعد مناسبة على الإطلاق ، و هى إشكالية تنبع من الطبيعة الإستاتية للتصورات و التعبيرات التى تُمثلها ، و بذلك نحن نرى الإعتراض الهائل الذى قام به كيركيغارد ضد الخريستولوجيا القديمة من منظور إنساني - أنه لا يمكن الإنتقال من الإنسان إلى الله إذا كانت الطبيعة الإنسانية و الطبيعة الإلهية لديهما ماهيتان ثابتتان ،كما أن نقد شليرماخر لتعليم الطبيعتين كان يستند على أن "الطبيعة" تعنى جوهراً عالمياً !

لذلك نحن فى حاجة إلى تبنى مفهوم أكثر دينامية عن الله ، فى أنه يتجاوز الإنقسام بين الماهية و الوجود ، و أيضاً فى إعتباره خلّاقاً إلى الأبد ، أى استبدال الماهية الإستاتية بالعلاقة الدينامية . فلايجب أن نتحدث عن طبيعتين ثابتتين بشكل دائم ، بل عن الإتحاد الأبدى بين الله و الإنسان ، أو إنسانية الله الأبديةeternal Godmanhood  ، تلك الفكرة هى تطوير لخريستولوجيا الطبيعتين فى كل من اللاهوت الشرقى   ( عند فلاديمير سولوفيف و برديائف ) و اللاهوت الغربى ( عند راهنر و بارث ) ، و تعنى الإلتقاء الحر بين الله و الإنسان، بشكل ديناميى منفتح يشمل البشرية برمتها !  و هى تُعبِّر بمصطلحات "الحرية" و "الإمكان" عن ما يعبر عنه التقليد بالـ"جوهر" و الطبيعة" .

إنها ليست تأويلاً بقدر ما هى إدراك لديناميات التعبيرات الكلاسيكية ، فالكلمة اليونانية طبيعةφθσις , لها معنى دينامي أساسي للإنبثاق ، فالفيزيس عند اليونان هو "ما يتفتح من تلقاء ذاته" ، و بهذا المنظور نكون قد اتخذنا خطوة جوهرية نحو النمط الإنسانى المعاصر من الخريستولوجيا ، و كان هذا بالأساس أحد أهم جوانب المشروع اللاهوتى لكارل راهنر .


التأله كإمكان

[ المسيح بإعتباره الكينونة الإلهية – البشرية هو بدء حركة التعالى الذاتى للعالم تجاه القرب المطلق من سر الله ، لذلك يمكننا النظر إلى الإتحاد الأقنومى على أنه ليس مجرد شىء يميز يسوع عنّا ، بل أنه يجب أن يحدث مرة واحدة فقط عندما يبدأ العالم فى الدخول إلى مرحلته النهائية ، تلك التى يتحقق فيها قربه الجذرى من السر الأعظم الذى يدعى الله ]
راهنر

الخريستولوجيا تُرى من هذا المنظور أنها التحقق الكامل للإمكانات البشرية ، فإن الإنسان "إمكان لامحدود" ، كيركيغارد و تيليش يُقرا بأنه وحدة من التناهى و اللاتناهى ، إنه حالة من السعى المستمر نحو آفاق الأبدية التى لن يصل إليها. و تلك الأبدية هى الله ، و هو يتوق إلى أن يُجلب ذلك الأفق إلى عالمه ، وفقاً لبرديائف فإن الإنسان إنسان بفضل الإمكان الخلاق الذى يتشارك فيه مع الله ، و بفضل حرية الإمكان يصبح الإنسان شخصاً .
تجسد الله فى الوجود البشرى يعنى فتح إمكانيات الإنسان اللامحدودة للوصول إلى اللانهائى ، تلك الإمكانيات مطابقة موضوعياً مع جوهر الإنسان ، و فى التجسد أصبحت تلك الإمكانات اللامحدودة متاحة و محققة للبشرية بكاملها التى أعطت نفسها بحرية لله فى المسيح  .

التجسد يُفهم لا كعمل فردى من جهة الله فقط ، بل كعمل ديالكتيكى بين الله و البشرية بكاملها ، تلك التى أعطت طبيعتها لله لكى يتخذها و يلبسها ، فهذا لم يكن إمتداداً إلهياً فى العالم الإنسانى و حسب بل إمتداداً لانهائياً لإمكانات الإنسانية أيضاً ،
هذا الإمتداد لم يكن من الممكن التوصل إليه كمعطى أو العمل بمقتضاه كشىء جاهز ،و  لم يحدث كما لو كان أمراً متوقعاً  ، بل فقط يتم الكشف عنه فى المسيح ، لأن تلك الإمكانات قد كشفت الإنسان فى "كينونته - فى – الله" ، و ليس فى ذاته ، و هو يعلم هذا بسبب التجسد الذى هو "نعمة" و ليس من "الطبيعة".، و هو ما عبر عنه آباء الكنيسة  بالـ"تأله" θεοσις، أى أن فى التجسد اعطت البشرية كلها نفسها لله ، و تقبلت فى جمعيتها المنوجدة فى شخص المسيح إمكانات الألوهة الأبدية .

هذا المفهوم للخريستولوجيا المتعالية لا يمكن بناؤه عقلياً أو لاتاريخياً كمجرد امتداد لفكرة الله - الإنسان ، أو كون يسوع "رمز" المخلص المطلق ، بل يجب الحفاظ على الإيمان بتاريخية تجلى الله فى العالم الإنسانى بشكل حقيقى و واقعى ، فتلك الإمكانات متاحة فعلاً لأن واحد من جنسنا قد انفتح عليها ، لأن اللوغوس الإلهى يعلن ذاته كونه [ إنساناً قد تحدد جوهره النهائى و الأخير ككينونة مباشرة تجاه الله ]

[ بكلمات أخرى ، إذا كانت حالة الإنسان الطارئة و المشكوك فيها تجد إجاباتها المطلقة و الجوهرية فى وعد المسيح ، فتحديداً و من وجهة نظر أنثروبولوجية ، فإن الخريستولوجيا المتعالية transcendental Christology,   التى يمكن للمرء أن يستكشفها فى الإمكانات القبلية  a priori فى الوجود البشرى التى تأتى بواسطة رسالة المسيح ، تكون ضرورية بشكل صريح ]

و بذلك تسير حركة "التأليه" dification مع حركة "الأنسنة" humanization ، فما يؤلهنا هو عينه ما يؤنسنّا ، أى ما يجعلنا نتجاوز وجودنا نحو أصلنا و جذريتنا العميقة ، الله ، المسيح لنا هو "إنساننا الأعلى" لأنه إنتصار اللامحدود فى طبيعتنا ، مصدر ألوهتنا كما إنسانيتنا تماماً .




VI
الخريستولوجيا العليا
High Christology


كما عرضت سابقاً، فإن المقاربات الخريستولوجية المعاصرة تنطلق من العقيدة المسيحانية كما استقرت فى خلقيدونية ، بل أن عبارة "خلقيدونية كمعيار" تتكرر فى كل مقاربة ينتهجها أياً من اللاهوتيين المنتمين لكنائس تقليدية سواء كاثوليكية أو أرثوذكسية ، و لى فى هذا ملاحظة ، فمع اعترافى بالتوازن الذى حققه مجمع خلقيدونية فيما يخص طبيعتى المسيح الإنسانية اللاهوتية ، فإنى أرى أن المقاربات الحديثة لابد أن تشتبك مع خلقيدونية من جهة المنهج Methodology  و تفارقه من جهه الموضوع ، أى تستمر فى التأكيد على حقيقتى الإلهية و الإنسانية فى المسيح ، مع تجاوز هذا الصراع القائم على صدام الطبائع و إنقسام الأقانيم ! ، خلقيدونية كمعيار يعنى التأكيد على نمط الخريستولوجيا العليا، إى الاعتراف الحقيقى بمُطلقية يسوع و عينيته ، بكمونه و تعاليه .

الخريستولوجيا الدنيا أو الخريستولوجيا الاسمية nominalist Christology لا تعتبر أن عقيدة "الطبيعة الإلهية" تنطبق بشكل حقيقى على المسيح ، أى أن المسيح ليس هو "الله الظاهر فى الجسد" بشكل حقيقى ، بل بشكل رمزى ، كما نجدها تلك فى اللاهوت الليبرالى عند تيليش و بولتمان ، و قد وصف تيليش الخريستولوجيا العليا بأنها خريستولوجيا منخفضة القيمة ، أى أن خريستولوجيته الدنيا هى الخريستولوجيا العليا الحقيقية ، و قد قال هذا على إعتبار أن الخريستولوجيا دائماً ما تُحدد بمسألة الخلاص ، و أن الخريستولوجيا العليا الحقيقية هى التى تقدم قيماً سوتيريولوجية ، افترض تيليش أن الخريستولوجيا العليا تبتسر إنسانية المسيح بينما الخريستولوجيا الدنيا تجعل إنسانيته هى وسيطة الخلاص !
و إن كان قد عبر عن هذا المنظور بقوله[ إن المسيحية لم تولد مع ميلاد الرجل الذى يدعى يسوع ، بل ولدت بالأحرى فى اللحظة التى اضطر فيها احد أتباعه إلى أن يقول له "أنت المسيح" ][16] و إذا كانت الصيغة الكلاسيكية تؤكد على الإعتراف أن يسوع هو المسيح ، فإن هذا النوع من الخريستولوجيا الدنيا يقتضى من الكنيسة التأكيد على حقيقة كون المسيح هو يسوع ، أى شخصاً تاريخياً حقيقياً أعلن الحقيقة فى صميم وجودنا البشرى ، هو شخص و ليس رمز ، هو وجود بالأساس و ليس مجرد فكرة .
أمرٌ آخر ، و هو وجوب التأكيد على "العنصر الأنطولوجى" ليعبر عن الحقيقة الأبدية للمسيح و الإنسان، تلك الحقيقة التى لا تتأثر بالتمظهرات الفكرية أو الاستخدامات الدينية . هناك حقيقة مطلقة تجلّت فى المسيح وقائعياً فى وجودنا الإنسانى ، و التاريخ الحقيقى لا يمكن أن يفسر إلا إنطلاقاً من القاعدة الأنطولوجية ، أى من حقيقة الوجود .
...

ذلك الإرتباط الكيانى بين هوية المسيح و الهوية البشرية يكشف أن وجودنا فى حالة تكوُّن ليكتمل فى المسيح يسوع ، و أن الخلاص ليس فقط عملية ذاتية بل أنطولوجية أيضاً ، يسوع المسيح هو المبدأ الأساسى الكامن immanent فى الوجود ، و الذى يقودنا جميعاً لنصبح مثله ، مسيحاً قدوساً واحداً يُقدم نفسه للآب بلا عيب .



المصطلحات


الوجود  Existence :
أى الإنسان فى تجاربه الفينومينولوجية الظاهرة ، فى تجسده و عينيته ، و قد استُخدمت فى المعضلة الأولى من الدراسة ، بحسب مفهوم الفلسفة التى تحمل نفس الاسم "الوجودية" ،و هى تهتم بما يحياه الإنسان بالفعل من تجارب جزئية و وضعه الواقعى و قضاياه المصيرية ، كالحب و الحرية و الموت و القلق ، أى الموجود فى واقعة وجوده المنتمى إلى المجال العرضى الحادث contingent القابل للتغيير ، و هو الوجود بالقوة و الإمكان .و هى غير الأنطولوجيا ،
                                      

الأنطولوجيا  Ontology :
من اليونانية οντος  ، و هى الحديث عن الكينونة ، أو الوجود من حيث هو وجود ، فى حقيقيته ، و هى فرع من الميتافيزيقا، و استخدمت فى المعضلة الثانية من الدراسة بمعنى "الكيان الإنسانى" و "جوهره" و "أساسه" كما قصد الله من خلقته ، أى الإنسان فى ماهيته كصورة الله، و الذى يجد كينونته حصراً فى الابن المتجسد يسوع المسيح .


الماهية Essence :
أى الجوهر ، و هى تعبر عن الثبات و الديمومة ، و تتسم بالتجريد و الكلية ، و تعتمد تلك الدراسة فكرة أن الإنسان بلا جوهر ثابت يفرض عليه نمطاً طبيعياً ستاتياً محدداً من الوجود ، فهو بالأساس حرية ، و ذلك  فى معارضة صريحة لمفاهيم اللاهوت الأبائى الكلاسيكى الذى يُقر بوجود جوهر و طبيعة ثابتين للإنسان .

المفهومية الميتافيزيقية :
تلك التى سادت الفلسفة الهلينية ، و من ثمّ المسيحية المبكرة برمتها ، و تعتمد مفهوم "الماهية" كمدخل لشرح طبيعة الله و الإنسان .


ترانسندتيا Transcendent :
العلو ، أو التجاوز ، و هو يعبر عن الصعود إلى مجال أسمى و أعلى ، و هى كل فلسفة تقول أن اكتشاف الحقيقة يقع فيما وراء الخبرة المُعطاة و يجاوزها ، و استُخدمت فى المعضلة الثالثة من الدراسة . و نُعنى بها مجاوزة الإنسان لذاته تجاه لاتناهيه ،


جدلية  Dialectic:
بحسب فريدريك هيجل ، فالقضية thesis   تندمج مع نقيضها antithesis  و هو ما يعارض أو ينفى القضية ، لتتجاذب و تتآلف فى مركب جديد synthesis  يجمع بينهما و يجاوزهما كلاهما معاً فى آنٍ .


تموضع  Objectification :
التعبير الأثيل لنيكولاس برديائف ، يشير إلى التشيؤ و الإنتماء الإنسانى لعالم الموضوعات الخالية من أية علاقات ذاتية ، و هو حالة من تدمير المعنى ، فمن أجل أن تدرك معنى الوجود عليك أن تتحد بموضوعه ذاتياً و لا تنفصل عنه و هذه هى المشاركة الحية الأصيلة ، و هى تتطلب الإحالة الخارجية للإنسان The Exteriorization  التى تهبط بالإنسان من ذاتيته و حريته و علاقاته الحية .




Bibliography & Further Readings


1 - John Maqurrie - Some Problems of Modern Christology.

2 - Arthur C. Cochrane - The Existentialists and God  / Being and the Being of God in the Thought of Soren Kierkegaard, Karl Jaspers, Martin Heidegger, Jean-Paul Sartre, Paul Tillich.

3 - Anton Losinger -The anthropological turn - the human orientation of the theology of Karl Rahner  2000.

4 – Philip Endean – Rahner, Christology and Grace.

5 - Gareth Jones - The Blackwell Companion to Modern Theology.

6 - Douglas Knight - The Theology of John Zizioulas 2007.

7 - Brian McKinlay - revelation in Nicolas Berdyaev's religious philosophy

8 – Russel Re Manning - The cambridge companion to Paul Tiliich .

9 - David W . Congdon – The Mutidimensional High Christology of Paul Tillich

10 - Matthew Craig Steenberg- Of God and man theology as anthropology from Irenaeus to Athanasius    2009.

11 - يسوع المسيح فى تقليد الكنيسة / الأب فاضل سيداروس اليسوعى
12- جون ماكورى / الوجودية
13 - ريجيس رولفييه / المذاهب الوجودية
14 - مارتن هيديجر ، الوجود و الموجود / جمال محمد أحمد سليمان
16 – نداء الحقيقة - نصوص عن الحقيقة فى فلسفة هيديجر / د. عبد الغفار مكاوى








1-    PG 73 : 735 / PG 80 : 588
تفسير يوحنا 7 : 39
 * أنظر دلالة اهم المصطلحات فى مُلحق الدراسة
2K. Ralhner,G n~ndkun2,2 3 (225).
– تلك الهرطقة التى أنكرت لاهوت المسيح
4 - Behr, Way to Nicaea, p. 1.
5- (( كيرلس الكبير / تفسير يو 1 : 14
 - 6  العبادة بالروح و الحق 8  PG 68 : 552
7- Zizioulas, ‘The Ecclesiological Presuppositions of the Holy Eucharist’, p. 342.
( تجسد الكلمة ف 4 )   - 8
 9 – Quoted by John Webster The Blackwell Companion to Modern Theology
 10 - يشتبك هذا مع مفهوم الصورة الإلهية التى جُبل عليها الإنسان ، سنناقش تلك الإشكالية فى الدراسة القادمة.
11Cf. Zizioulas, ‘Christologie et existence
-  Tillich , P, Systematic Theology , Vol 2, P. 92  12
13Bumer M : I and Thou .
14 - The divine and the human, 183. In a later work, The destiny of man (pp. 84-153)
15 – Karl Barth,Church Dogmatics, ed.G. W. Bromiley and T. F. Torrance,13 vols.
 16 - Tillich , P, Systematic Theology , Vol 2, P. 97