Saturday 26 February 2011

فلسفة الرمزية عند كيرلس الأسكندرى



فــلـــســـفة الرمــــــزيـــة
عند القديس كيرلس الأسكندرى



نظراً لشغفى الدائم بمنهج التفسير الرمزى الذى تبنته مدرسة الأسكندرية اللاهوتية ، فقد حاولت تتبع منابع هذا المنهج ، أى ما هو أصله ، أو ما الدافع أو السبب الذى حفَّز مدرسة الأسكندرية على تبنى هذا المنهج عمَّا عداه من مناهج التفسير ، خصوصاً المنهج التاريخى الحرفى التى تبنته مدرسة أنطاكية اللاهوتية ، و ما هو سبب الإختلاف بين المدرستين ، الأمر الذى وجدته يرجع أساساً إلى خلاف فلسفى قديم بين أفلاطون و أرسطو .
لذلك فسأقدم فى هذا المقال مفهوم القديس كيرلس الكبير للكتاب المقدس و نظرته لكل من المنهجين ، يعقبه مقالاً عن سبب الخلاف بين مدرستى أنطاكية و الأسكندرية من جهتهما ، و ماذا كان موقف القديس كيرلس من هذا الخلاف ، و لماذا اخترته ليكون نقطة الإنطلاق فى هذا البحث .
 
بدايةً ،  يلزمنا  أن  نتعرف  على  مفهوم  كل  من  المنهجين  فى  التفسير [1]:

+ التفسير الحرفى :  و هى طريقة تكرار النص الكتابى باستعمال كلمات مبسطة ، و هذا التفسير ضرورى بسبب غموض النص و لكن يلاحظ أن التكرار لا يكون دائماً أوضح من النص !! فأحياناً يقوم المفسر ، بتلخيص النص و أحياناً يطيل إيضاحه ، و غالباً ما يأتى الشرح الحرفى مباشرةً بعد النص الذى سيقوم بالتعليق عليه ، و قد يأتى الشرح الحرفى أحياناً بعد أن يكون قد بدأ فى تفسير النص الكتابى ثم يتوقف ليقدم الشرح الحرفى عندما يبدو له أن تفسيره للنص لا يمكن إيضاحه إلا عندما يقدم الشرح الحرفى و قد اتبعته بالأخص مدرسة أنطاكية .
+ التفسير الروحى (الرمزى) : فى التقليد الأسكندرى هو التفسير الحقيقى للكتاب المقدس ، و هذا الأسلوب فى التفسير يرتكز على تخطى الحرف للوصول إلى سر المسيح و هو سر مختبىء فى كتب العقد القديم أما فى العهد الجديد فأسلوب التفسير الروحى يقوم على تخطى المادة فى النصوص الكتابية إلى معناها غير المادى.
+ + + + + + + + + + + +
لقد كان القديس كيرلس الأسكندرى ـ بصفته أحد آباء كنيسة الأسكندرية العظماء ـ متحمساً للتفسير الروحى الرمزى فى الكتاب المقدس ، غير أن نجاحه الفائق فى تطبيقه لمبدأ التفسير الروحى للكتاب ، كان يعتمد فى الأساس على التعاليم الخريستولوجية التى آمنت بها و علمت كنيسة الأسكندرية ، أى أن التعليم اللاهوتى الأرثوذكسى هو الأساس لتفسير الكتاب المقدس تفسيراً صحيحاً و متزناً عند القديس كيرلس .


أثر  التعاليم  الخريستولوجية  على  مفهوم  القديس  كيرلس  الأسكندرى  للكتاب  المقدس :

الكتاب المقدس مـثل شخص يسوع المسيح بلاهوته و ناسوته ، فالصياغة المكتوبة للكتاب المقدس و التى تسرد الأحداث و الوقائع التاريخية التى حدثت فعلاً تتوافق مع ناسوته ، فى حين أن المفهوم الروحى للكلمة الإلهية تتوافق مع لاهوته ، فالتفسير الروحى يشير إلى الطبيعة الإلهية ، بينما الحرف و التاريخ إلى الطبيعة البشرية لله الكلمة المتجسد و كل منها يعملان بغير اختلاط و لا إنفصال و كليهما يشير إلى الأخرى
 و كما أن ناسوت المسيح يؤكد ألوهيته و يرفعنا إليه هكذا أيضاً الكتاب ، فالصياغة المكتوبة تؤكد على الذهن الروحى و ترفعنا إليه ، و بالتالى فإن الكتاب ينبغى أن يُفسر و فق هذين الوجهين التاريخى الحرفى ، و الروحى ، و هنا نلاحظ أن القديس كيرلس لم ينادى بمفهوم ثنائي للكتاب ، بل نادى بعلاقة جوهرية بين المفهومين بحيث لا يوجد مفهوم بدون آخر ، كما هو فى حالة الإتحاد الأقنومى بين الطبيعتين فى شخص المسيح الواحد ، هكذا فإن المفهومان لا ينبغى ان يصير مزج بينهما و لا إنفصال ، و هكذا بالتقليد الخريستولوجى ، حددت طبيعة و عمل الكلمة الكتابية تحديداً صارماً.[2]

و هذه الفكرة تجد منبعها من إيمان ق.كيرلس الكبير بوحدة شخص الرب يسوع المسيح و " بالطبيعة الواحدة غير المنقسمة لله الكلمة المتجسد ، فمثلاً نجده يقول  فى الفقرة (15) من رسالته رقم (40) إلى "أكاكيوس" أسقف ميليتين
[ عندما تفحص طريقة التجسد بدقة يرى العقل البشرى بلا شك الاثنتين  (أى الطبيعتين) مجتمعتين معاً بطريقة تفوق الوصف وبلا اختلاط فى اتحاد. إلا إن العقل لا يقسمهما على الإطلاق بعد أن اتحدتا بل يؤمن ويعترف بقوة أن الواحد من الاثنتين هو إله وابن ومسيح ورب .][3]

ويقول أيضا فى الفقرة (14) من نفس الرسالة: [ ولذلك نقول أن الطبيعتين اتحدتا، ومنهما نتج ابن ورب واحد يسوع المسيح، كما نقبل فى أفكارنا، لكن بعد الاتحاد، إذ قد زال الآن التفريق إلى اثنتين، نؤمن أن هناك طبيعة واحدة للابن كواحد، واحد تأنس وتجسد].

و طبقاً لذلك ، فلم يكن تفسير القديس كيرلس للكلام الإلهى تفسيراً رمزياً خالصاً ، فهو يقدم توازناً حكيما ً بين كل من التفسيرين الروحى و الحرفى ، ذلك لأن قناعاته الأساسية هى أن الكلمة المكتوبة لها طبيعتان أو وجهان و بالتالى فلها مفهومان : تاريخى و روحى ، و لابد أن نعمل على أن نصل إلى هذين المفهومين معاً ، و بهذا ، فقد استطاع القديس كيرلس أن يتجنب الأفكار غير الأرثوذكسية و التطرفات الكثيرة التى صدرت من البعض نتيجة للإفراط فى استخدام منهج التفسير الروحى الرمزى من أمثال العلامة أوريجانوس ، فالقديس كيرلس لا ينحاز إلى أى من التفسيرين فلكل منها قيمته و يجب استخدامه بحذر ، أى أن القديس كيرلس كان واعياً جداً لأبعاد هذا الأمر ، و يبدو ملامح مفهوم ق.كيرلس للكتاب المقدس فى الآتى


أولاً : الله  يخــــاطب  الإنــــسان   بـــطريقة  بـــشرية :

 الشئ الذى يميز الكلام الكتابى ، هو أنه يتكلم عن الله و كلمته الأزلى بطريقة بشرية ، و بطريقة تتفق مع المقاييس البشرية ، لأنه لا يمكن أن يتكلم الله أو يعلن عن نفسه إلا بطريقة بشرية قريبة و مفهومة لدى الإنسان ، الأمر الذى يتضح جداً فى العهد الجديد ، فمن البديهى أن العهد الجديد هو نتيجة أساسية لتجسد الكلمة و اللوغوس قبل تجسده كان غير منظور و غير مكتوب ، و بالتجسد صار بحسب طبيعته البشرية مدركاً و منظوراً و مكتوباً.

 لكن هذه الأقوال التاريخية لابد و أن تفهم على أنها أقوال تليق بالله ، لأنه إذا كان الكتاب المقدس يتكلم عنه بطريقة بشرية فإن هذه الطريقة لا تقلل فقط من المجد الإلهى ، لكن على العكس ، فإن العقل البشرى و قصور اللغة البشرية هى السبب الذى جعل الكتاب يتكلم بهذه الطريقة عن الله .
و يمكننا أن نجد الأصل الخريستولوجى لهذا المفهوم عند ق. كيرلس ، فهو قد رفض إداعاء نسطور بأن أقوال و أفعال المسيح (التجسد عينه) تنقص من شأن المجد الإلهى ، لأنه يرى أنه بسبب هذه الأفعال و الأقوال تنسب إلى شخص الإله المتجسد ، فنحن نستطيع بواسطتها التعرف على عظمة و رفعة الجوهر الإلهى ، مثلما أيضاً نعرف رفعة الألوهة من خلال تواضع الإله

 [ إن الحكيم يوحنا الإنجيلى يعلمنا " الكلمة صار جسداً "  فهل كف على أن يكون الكلمة؟ و هل سقط من جلاله؟ و هل جرى له تحول لم يكن عليه سابقاً ؟ إننا نقول ليس الأمر هكذا حاشا ذلك لأنه بالطبيعة غير قابل للتغيير لذلك فبقوله " الكلمة صار جسداً فإن الإنجيلى يعنى انه صار انساناً مثلنا لاننا نحن أنفسنا كثيراً ما نُدعى جسداً لانه مكتوب " و يبصر كل جسد خلاص الرب " (إش 40 : 5 س)  كل إنسان سيبصر خلاص الله لذلك فبينما هو يحتفظ بما كان عليه بدون تغيير إلا انه إذ صار فى حالتنا فانه أخذ شبهنا و لذلك يقال أنه قد صار جسداً ] 
  تفسير إنجيل لوقا ( ص 67)
أى أنه كما أن التجسد لا يُنقص من قدر الله ، كذلك فإن تعبير الله عن نفسه بواسطة الكلام البشرى لا يُنفص من مجده الإلهى .


ثانياً : أهـــمية  التــاريخ  و  الحـــرف  فى  فـــــهم  قصد  الكـــــلام  الإلهــى :

تبعاً لذلك فلكى نعرف سمو المجد الإلهى علينا أن نفهم و بطريقة خاصة ، الشواهد التاريخية و الإنسانية أى ما تليق بالطبيعة البشرية المدونة فى الكتاب المقدس عن الله ، و خاصة أن الإنسان له جسم كثيف و محكوم بقوانين بيولوجية ، أى أن القديس كيرلس لا يتعدى التفسير الحرفى التاريخى ، و لا ينكر تاريخية الأحداث و الأقوال التى يشرحها و كونها حدثت بالفعل ، لكنه يوضح فقط مدى قصور هذا المنهج الحرفى إذا ما تم استخدامه بمفرده
لهذا فإن تشديد القديس كيرلس على أهمية التفسير التاريخى مهم للأسباب التالية :
+ يعتبر هو الظل الذى يقود إلى عمق الروحيات .
+ يشهد بصدق الكلام الإلهى ، لأن ما هو تاريخى هو نموذج و ظلال لما هو روحى.
+ له هدف تربوى و تعليمى أخلاقى ، إذ أن حياة مختارى الله سواء فى العهد القديم أو فى العهد الجديد هم نماذج و قدوة للحياة المسيحية الحقيقية.
و هذه الفكرة تجد نبعها فى فكر القديس كيرلس فى تأكيده الدائم على تجسد الابن الوحيد و وجوده الحقيقى و الحرفى فى التاريخ ، و أنه أخذ نفس جسد بشريتنا بدون استحالة إلى اللاهوت أو ذوبان فيه .
+ فعندما اتهموه بأنه أذاب الطبيعة الناسوتية فى الطبيعة اللاهوتية[4] بقوله طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة
"ميا فيزيس تو ثيؤلوغو سيساركومينى " ، جاوبهم القديس كيرلس بأن كلمة "متجسدة" تثبت استمرار الناسوت أى الطبيعة الإنسانية، بمعنى إن الناسوت لم يذب فى الطبيعة الإلهية، كما أن عبارة "الله الكلمة" تؤكّد استمرار اللاهوت أى الطبيعة الإلهية. لذلك تكلم القديس كيرلس عن الاستمرارية continuity  وقال:"أن الطبيعتين قائمتين و موجودتين بعد الإتحاد "
The two natures persist (to exist) after the union

+ و نقرأ أيضاً من رسالة القديس كيرلس الكبير إلى فاليريان أسقف أيقونية ـ الفقرة الثالة [5]
 [إننا نقول أن كلمة الله الوحيد الجنس، إذ هو روح كإله، بحسب الأسفار المقدسة (يو4 :24) تجسد وتأنس من أجل خلاص البشر، ليس بأن حول (صنع) لنفسه جسداً من طبيعته الخاصة به (أى لاهوته)، ولا بأن فقد ما كان عليه "ألوهيته" ولا بأن حدث لها أى تغيير أو تحول، بل أخذ جسداً طاهراً من العذراء القديسة، جسداً مُحيياً بنفس عاقلة ، وهكذا أعلن أن الجسد هو جسده من إتحاد لا يُدرك وبلا إختلاط ولا يوصف على الإطلاق، ليس كجسد شخص آخر، بل جسده هو الخاص جداً به ، وهكذا أتى الوحيد الجنس إلى العالم كـ" البكر" (رو 8 : 29) وصار ذاك الذى لا يُحصى مع الخليقة - إذ هو الله- "بين إخوة كثيرين".
 وبالتالى، عندما يقال أنه وُلِد"من إمرأة" (غلا 4: 4) يستنتج بالضرورة أنه وُلِد بحسب الجسد، لكى لا يظن أنه يأخذ بداية لوجوده من العذراء القديسة.
        ورغم إنه كائن وموجود قبل كل الدهور، وإنه الله الكلمة الشريك فى الأزلية مع أبيه والكائن فى وحدة معه، إلا أنه عندما أراد أن "يأحذ صورة عبد" (فى2: 7) بحسب مسرة أبيه الصالحة، عندئذ قيل أنه خضع لميلاد من إمرأة بحسب الجسد مثلنا، لذلك بلاشك المولود من الجسد جسد هو، ولكن المولود من الله إله هو، أما المسيح فهو الأمران، إذ هو إبن ورب وله جسده الخاص به، ورغم ذلك ليس "الجسد" غير مُحيياً- كما قلت- بل مُحيياً بنفس عاقلة ]
     أى أنه كما أن كما ينبغى التأكيد على بشرية المسيح ، هكذا تبدو أهمية التأكيد على العنصر التاريخى و الحرفى فى كلمة الله و الإنطلاق منه إلى آفاق التفسير الروحى . لذلك فالقديس كيرلس يفرق بين الكلام الكتابى و كلام الفلسفة اليونانية بقوله إن كلام الفلسفة هو بغير جسد أما الكلام الكتابى فهو متجسد.


ثالثاً : لا ينبغى أن نكون  محصورين فى التفسير الحرفى ، بل  يجب  أن  نـــســـمو  إلى آفاق التفسير الروحى :

يجب أن لا يتم التعامل مع التعبيرات و المعانى اللاهوتية بطرق تاريخية أو لغوية نحوية أو أن يفهمها الإنسان حسب رغبته البشرية ، بل حسبما يليق بالطبيعة الإلهية الفائقة  ، لذلك سيظل الكلام البشرى قاصر و غير كاف لوصف الإلهيات ، و بواسطة الكلام البشرى نستطيع أن نفهم جانباً ما مما هو خاص بالطبيعة الإلهية الفائقة ، فالكلمة الكتابية لا تدل على ما هو الله بالضبط ، بل هى ببساطة تشير إليه .
إذاً ، فالتفسير الكتابى ليس هو شأن لغوى ينحصر فى الفهم الحرفى ـ التاريخى للكلمة ، و لكن هدف التفسير هو المعرفة الإلهية ، بمعنى أنه بينما يستخدم الفكر البشرى و الإماكنيات اللغوية فى التفسير ، إلا أنه لا يجب أن تبقى العملية التفسيرية منحصرة فى الحدود الحرفية للكلمات بل أن تشير دائماً إلى ما هو إلهى ، و ما يرمى إليه التفسير الكتابى هو المعرفة الخلاصية لعمل التدبير الإلهى و هو بهذا يكشف حدود المعرفة الإلهية الحقيقية .

و الذى يحدد معنى كل كلمة فى الكتاب ليس هو التحليل اللغوى لها أو المعنى التاريخى الذى تحمله ، بل أنه ذلك الشىء المخفى فيها فى العمق و سرائرياً و حسب التدبير ، الذى نصل إليه بواسطة التفسير الروحى الرمزى.
فإن التفسير الروحى عند القديس كيرلس يفهم من خلال التجسد الإلهى ، فكما أن لاهوت السيد المسيح يقودنا إلى ألوهيته ، و يعطى مصداقية تاريخية لحقيقة التجسد ، هكذا أيضاً أن الحرف أو الأحداث التاريخية التى وردت فى النصوص تشير إلى ذلك الشئ الروحى الذى يُعلن بواستطها ، فالحرف يخدم سر التدبير الإلهى و المحسوسات البشرية تتجلى بفضل التجسد نحو الحالة الإلهية فى المسيح يسوع.
و بالتالى فإن طريقة التفسير الروحى تتخذ من الحرف و التاريخ أساساً لها ، إذ هى تتعرف من خلال التاريخ على سر المسيح " سر التدبير الإلهى " بمعنى أن التجسد يُعلن هدف التدبير الإلهى و نحن نكتشفه فقط عندما نعيش وفق مات يتفق و سر التدبير الإلهى هذا.

و حيث أن الحرف فقط لا يجدى شيئاً  .. لذلك فلطالما أكد القديس كيرلس على أنه لا يوجد نفع من مجرد الإيمان بناسوت المسيح و جوده التاريخى فقط ، لذلك فهو يشدد كثيراً فى خريستولوجيته على أن المسيح هو الإله الحقيقى و ليس مجرد إنسان حل فيه الإله .
[ من يتجاسر و يقول إن المسيح هو إنسان ملهم من الله و ليس بالحرى هو الله الحقيقى ، لأنه الابن الواحد بالطبيعة ، لأن الكلمة صار جسدا ( يو 1 : 14 ) و اشترك مثلنا فى اللحم و الدم (عب 2 : 14) فليكن محروماً .
 [ من ينسب الأقوال التى فى البشائر و الكتابات الرسولية أو التى قالها القديسون عن المسيح أو التى قالها هو عن نفسه إالى شخصين أو أقنومين ، ناسباً بعضها للإنسان على حدة منفصلا عن كلمة الله و ناسباً الأقوال الأخرى لكونها ملائمة لله فقط إلى كلمة الآب وحده ، فليكن محروماً ] [6]

و كما أن المسيح لا ينفع أولئك الذين يؤمنون أنه مجرد إنسان ،بل يجب الإيمان به كإله حقيقى متجسد .. كذلك لا ينفعنا التفسير الحرفى ما لم نمتد إلى المعنى الروحى الكامن وراء الكلمات الإلهية .
كذلك فإن المسيح الواحد الإله المتجسد هو وحده الذى يمكن أن يكون مخلصاً حقيقياً ، و ليس أى إنسان مختار من الله (ناسوت فقط)  ذلك لأن الخلاص يكمن مبدئياً فى منح الحياة للمخلوقات و أن تستعلن بناء على ذلك الحياة الذاتية و عن طريق إتحاد اللاهوت بالطبيعة البشرية فى المسيح ، يتحقق خلاص الإنسان
[الطبيعة التى خضعت للفساد لا يمكن ان ترتفع إلى عدم الفساد ، إلا بنزول الطبيعة التى تعلو على كل أنواع الفساد ، و التغيِّر و باتحادها بها ، و بالاتحاد ترتفع تلك الساقطة إلى صلاحها الدائم أى إلى عدم الفساد ]
(تفسير إنجيل يوحنا / ك 11 ف 12)
[ أن يكون فى استطاعته أن يمنح للناس سكنى الروح القدس و يجعل هؤلاء الذين يقتربون منه شركاء الطبيعة الإلهية و هذه الخاصية موجودة فى المسيح لا كشىء اكتسبه أو انتقل اليه من آخر بل كخاصية التى يملكها و هى التى تخص جوهره ]
( تفسير إنجيل لوقا / ص 64)
أى أنه عن طريق تجسد المسيح (الناسوت) قد وصلنا إلى الله و صرنا متألهين و شركاء طبيعته المباركة (اللاهوت )،  و بنفس المنطق نستطيع أن نمتد من الكلام الحرفى للكتاب المقدس إلى إدراك المعانى الإلهية الروحية المخفية سرياً فى الألفاظ و الكلمات .


أخيراً
إن التفسير الروحى _ حسب منهج القديس كيرلس _ يستلزم أولاً التمييز الواضح ، و ثانياً إدراك الوحدة غير الممتزجة بين عالمين ، المحسوس و المادى ، الروحى و الذهنى ، مثلما صار الإتحاد الأقنومى بين الطبيعتين الإلهية و البشرية فى شخص المسيح الواحد بغير إختلاط و لا إمتزاج و لا تغيير و لا إنفصال ، و بناءاً عليه ، فعند استخدام التفسير الروحى يكون الهدف هو تجلى العنصر التاريخى الإنسانى الحرفى إلى العنصر الإلهى الروحى و الذى هو متحد معه بغير إمتزاج و لا إنفصال.
يـُتبـَع


[1] محاضرة عن القديس ديديموس الضرير ، للدكتور ميشيل بديع ـ الكورسات المتخصصة للمركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية
[2] انظر الدراسة المتميزة للدكتور جوزيف موريس فلتس عن " أمثلة من تفسير الآباء للكتاب المقدس " المنشورة فى كتاب أرثوذكس حقاً و أيضاً أنجيليون / محاضرات مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية فى الفيوم ـ سبتمبر 2004، و التى تعتبر أساس هذا لمقال
[3] لاهوت عقائدى ـ لاهوت مقارن ـ حوارات مسكونية ـ أقوال آباء / مزكرة لنيافة الأنبا بيشوى مطران دمياط ، شرح الأساس اللاهوتى لتعليم الآباء عن طبيعة المسيح
[4] الصراعات الكريستولوجية فى القرنين الرابع و الخامس ـ نيافة الأنبا بيشوى مطران دمياط
[5] لاهوت عقائدى ـ لاهوت مقارن ـ حوارات مسكونية ـ أقوال آباء / مزكرة لنيافة الأنبا بيشوى مطران دمياط (مرجع سابق) 
[6] رسائل القديس كيرلس لنسطور و يوحنا الأنطاكى (الرسالة 17 ) ترجمة المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية

2 comments:

Anonymous said...

رائع ! معلومات جديدة عليا تماما

أستمر ربنا معاك

مستنيين أكتر

Anonymous said...

مجهود رائع و مادة علمية غزيرة
ربنا يعوض تعبك